الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوبة الصادقة تمحو ما صدر منك من هفوات

السؤال

توفيت أمي منذ 3 شهور وقد راعيتها في مرضها لمدة 4 سنوات فهي لا تغادر فراشها, وأنا أعمل حتي الخامسة عصراً فأعود لأطعمها وأجهز طعام اليوم التالي, وقد كانت في حالة من الغيبوبة في آخر شهر من حياتها رحمها الله، ولكن عندما كنت أسالها وهي في تلك الحالة هل أنت راضية عني يا أمي فتقول نعم.
وكنت أسألها من أنا فتقول: نور عيني، وقالت لقريبة لي إنها حبيبتي ونور عيني، وكانت تعاني من ضمور في خلايا المخ في أيامها الأخيرة بالإضافة إلى السرطان وهي شبه مقعدة ولا تمل من ذكر الله وقيام الليل والصلاة والدعاء لي في كل ركعة, ولكني كنت أغضبها لأني كنت دائما متعبة ومجهدة من مجهود البيت والعمل ورعايتها الصحية, وأتذكر الآن 4 أو 5 مشاجرات كبيرة كنت أغضبها فيها ولكني كنت أستغفر الله وأتوب إليه بعدها وكنت أعتذر لها وأندم, فهل يسامحني الله؟ فالله وحده يعني مقدر حبي لها فأنا أستغفر وأدعو لها في كل ركعة كما كانت تفعل معي, وأرجو أن أكون ذلك الولد الصالح ولكن الشيطان يوسوس لي والله وحده أعلم بأنها غير راضية عني، علما بأنها أفاقت مرة وقالت لي قولي: إنا لله وإنا إليه راجعون وتوفيت بعدها بأسبوع وقد قلتها عندما توفيت، علما بأنها توفيت والمغرب يؤذن وأنا أصلي وأدعو لها بالجنة وعندما فرغت وجدتها ساكنة وقد لاقت ربها عز وجل وقد أسبلت عينيها وقمت بالاستعدادات الأولى للغسل, وكنت هادئة بشكل غريب وشعرت بارتياح وسكينة غريبة وقرأت لها القرآن ودعوت لها, ولكني نادمة الآن وأتذكر كل شيء فعلته سيئا, وخاصة أني أصابتني حالة هستيرية قبل وفاتها بـ 10 أيام نتيجة إحساسي بأنها تموت أمام عيني وظللت أصرخ بأني متعبة، فهل يسامحني الله وهل سامحتني هي رحمها الله، علما بأنها أفاقت قبل موتها بيومين وسألت عني وعندما أخبرها أخي بأني في العمل كلمتني وقالت هل نسيتي أمك يا مروة ومتي تأتي؟ وعندما رجعت شتمتني بألفاظ غريبة وقالت: ( أنتي سيباني ومش هتنزلي تاني وهتقعدي هنا جنبي) كما كانت تغضب وهي في حالتها الطبيعية عندما أنزل أو أتأخر فقد كانت تخاف علي بجنون، فهل ذلك لتأخيري أم لتلك الحالة العصبية التي أصابتني قبلها بأسبوع وصراخي، علما بأنها أكلت بعدها من يدي ما رأيك وهل أنا مجنونة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجزاك الله خيراً على ما قمت به من رعاية لأمك، ونسأل الله أن يتقبل منك وأن يجعل هذا الجهد نوراً يسعى بين يديك وبيمينك يوم القيامة، وأما ما كان يحدث منك من مشاجرات بينك وبين أمك في بعض الأحيان فطالما أنك كنت في الأصل على بر بأمك وإحسان لها وقيام بأمورها فلن يضرك إن شاء الله ما كان منك من هفوات، خصوصاً وأنك قد ندمت على فعلك واستغفرت الله سبحانه، واعتذرت لأمك واستسمحتيها، فإن الله غفور رحيم يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، قال سبحانه: رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء:25}.

قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر، كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأساً، قال الله تعالى: إن تكونوا صالحين.. أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة. وقوله (فإنه كان للأوابين غفوراً) وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة.

وننبهك أيتها السائلة إلى أن بر الوالدين لا يقتصر على حياتهما فقط، بل يمتد إلى ما بعد الممات وذلك بأمور، منها: الدعاء والاستغفار لهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم.

ومنها إنفاذ عهدهما ووصيتهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، ومنها إكرام صديقهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده. رواه أبو يعلى وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع.

ومنها التصدق عنهما، ففي صحيح مسلم عن عائشة: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها، قال: نعم. ومعنى افتلتت نفسها، أي توفيت فجأة. قال النووي: وهو نص صريح في جواز، بل سنية، التصدق عن الميت.

ومنها الحج عنهما فعن ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها، قال: نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته. قالت: نعم، فقال: فاقضوا الذي له، فإن الله أحق بالوفاء. رواه البخاري. و

للفائدة في ذلك تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 50556، 10436، 16531.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني