الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه أن يثيبك خيرا على صبرك وأن يفرج كربك وأن يكشف عنك الهم والغم، ولا شك أن أهل زوجك وقعوا في جملة من المعاصي والآثام والمخالفات، منها: التجريح بالكلام القاسي، وهذا من الأذى، وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً {الأحزاب:58}، وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم المسلون من لسانه ويده.
ومنها: الكذب وإشاعة الشائعات المغرضة بغرض إيذائك وتهديد كيان أسرتك، ولا شك أن الكذب من الكبائر لا سيما إذا أدى إلى مفاسد كبيرة مثل هذه الحالة، وقد قال رسول الله: إن الكذب يهدي إلى الفجور. متفق عليه.
ومنها: تركهم الإنفاق عليكم في محنتكم ومرض ابنتكم مع غناهم ويسارهم – كما ذكرت – لأن الوالد في هذه الحالة تلزمه النفقة على ولده، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن والد غني وله ولد معسر فهل يلزم الوالد الغني أن ينفق على ابنه المعسر؟
فأجاب رحمه الله: نعم، عليه نفقةُ ولدِهِ بالمعروف إذا كان الولدُ فقيراً عاجزاً عن الكسب والوالدُ مُوسر. اهـ مختصرا من الفتاوى الكبرى، فاشترط رحمه الله لوجوب النفقة عسر الولد وعجزه عن الكسب، ومن العلماء من أوجب على الرجل نفقة ولده وولد ولده.
جاء في فتح الباري: وألحق الشافعي ولد الولد وإن سفل بالولد في ذلك. أي في وجوب النفقة، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة: ويقول الابن: أطعمني، إلى من تدعني. قال في فتح الباري: واستدل به على أن من كان من الأولاد له مال أو حرفة لا تجب نفقته على الأب، لأن الذي يقول: إلى من تدعني ؟ إنما هو من لا يرجع إلى شيء سوى نفقة الأب، ومن له حرفة أو مال لا يحتاج إلى قول ذلك. انتهى. فدل مفهوم ذلك على أن من لم يكن له من الأولاد مال ولا حرفة فإن نفقته تجب على أبيه الموسر.
ولا شك أن الزوج يجب عليه أن يكف بالمعروف أذى أهله عن زوجته وأولاده لأن زوجته وأولاده أمانة في رقبته وهو مسؤول عنهم يوم القيامة، فإن لم يفعل فهو مقصر مفرط في حفظ ما استرعاه الله من الأمانة.
والذي ننصحك به أيتها الأخت هو الصبر على أذاهم ورد إساءتهم بالإحسان، واعلمي أن هذا ابتلاء لك بهم وبسوء عشرتهم فعليك أن تصبري على هذا البلاء وأن تقومي فيه بالتقوى، وقد قال الله سبحانه: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا {الفرقان:20}. وقال جل وعلا: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
وطالما أنهم الآن يتعاملون معك بالحسنى ولو في الظاهر فقط فعليك أنت أن تداريهم وأن تعامليهم أيضا بالحسنى ولو كان باطنك بخلاف ذلك.
أما لو عادوا إلى الإساءة مرة أخرى وزاد الأمر عن حده ولم تطيقي صبرا عند ذلك يمكنك أن تحجمي علاقتك بهم وأن يقتصر الأمر في معاملتهم على القدر الذي يحقق التواصل من جهة، ويكف أذاهم من جهة أخرى، ولا شك أن هذا سيكون متاحا إذا كان لك سكن مستقل بعيد عنهم، أما لو كنت تسكنين معهم فمن حقك أن تطالبي زوجك بأن يوفر لك سكنا مستقلا، خاصة أنك قد ذكرت أن الله سبحانه فتح له أبواب الرزق الواسع، لأن السكن المستقل سيدفع عنك كثيرا من شرورهم وأذاهم.
وحاولي إقناع زوجك وتبصيره بأمور الحياة، ومن ذلك إفهامه أن ترك العنان لأهله في التصرف في أمواله على حساب نفسه وزوجته وعياله له عواقب سيئة على بيته، ولا يعني هذا أنه يحرم أهله كلا، ولكن يحسن إليهم بقدر استطاعته بحيث يعطي كل ذي حق حقه، وقد قال رسول الله فيما رواه البخاري وغيره: أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: فيه تقديم نفقة نفسه وعياله لأنها منحصرة فيه بخلاف نفقة غيرهم.
ولا ننصحك بطلب الطلاق في هذه الحالة لأن طلب الطلاق من غير بأس حرام على المرأة، وزوجك لا يصدر منه أذى لك، غاية ما هنالك أنه لا ينهى أهله عن إيذائك، وهذا أمر يمكن حله كما ذكرنا بالسكن المستقل.
فإن لم يستجب لك زوجك في سكن مستقل مع قدرته، أو وفر لك السكن ولكن مع ذلك طالك أذاهم وأنت في سكنك ولم يدفعهم عنك ولم تطيقي صبرا عند ذلك يمكنك طلب الطلاق. وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65340، 77252، 54913.
والله أعلم.