السؤال
ظن إمام بلدتنا أنه سها عن إحدى السجدتين في إحدى الركعات فقام بسجود قبلي قبل السلام، لكنه في الواقع لم ينس شيئاً بشهادة المصلين خلفه، فهل الصلاة صحيحة وإن نسي فعلاً سجدة، فهل إن ما أتى به من سجود قبلي صحيح أم لا؟
ظن إمام بلدتنا أنه سها عن إحدى السجدتين في إحدى الركعات فقام بسجود قبلي قبل السلام، لكنه في الواقع لم ينس شيئاً بشهادة المصلين خلفه، فهل الصلاة صحيحة وإن نسي فعلاً سجدة، فهل إن ما أتى به من سجود قبلي صحيح أم لا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمذهبُ الجمهور فيمن شكَّ هل سجد سجدةًٌ أو سجدتين أنه يبني على الأقل ويسجد قبل السلام، لحديثِ أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا شك أحدكم في صلاته, فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك, وليبن على ما استيقن, ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم, فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته, وإن كان صلى تمام الأربع كانتا ترغيما للشيطان. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه.
ومذهبُ أبي حنيفة ورواية عن أحمد اختارها شيخُ الإسلام ابن تيمية، أنه إن كان عنده ظنٌ غالب عَملَ به ثم سجد بعد السلام، واستدلوا بحديثِ ابن مسعود رضي الله عنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم -قال إبراهيم: لا أدري -زاد أو نقص- فلما سلم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك، قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجليه، واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم، فلما أقبل علينا بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين . متفقٌ عليه.
وعلى هذا.. فهذا الإمامُ إن كان بنى على غلبة الظن فالذي كان ينبغي له أن يسجدَ بعد السلام، فإذا سجد قبل السلام صحَّ، فإن أكثر أهل العلم متفقون على أن موضع السجود قبل السلامِ أو بعده لا يجب وإنما اختلافهم في الأولى.
وأما إن كانَ شاكّاً فكان عليه أن يبني على الأقل، ثم يسجد قبل السلام.
ومن نسي سجدة فإنه لا يجبرها سجود السهو باتفاق العلماء بل عليه أن يعودَ فيأتي بها إن كانت السجدة التي نُسيت في الركعة الأخيرة، أما إن كانت في غير الركعة الأخيرة فعليه أن يأتي بركعةٍ تامة، لأن الركعة التي سجد فيها سجدةً واحدةً قد أُلغيت، وقامَ ما بعدها مقامها، وعليه مع ذلك سجود السهو.
وإذا سلم المصلي عن شك دون عملٍ بغلبة الظن فقد سلم قبل إتمام الصلاة عمداً فبطلت صلاته بذلك ولزمه إعادتها، لأنه تعمد إبطالَ صلاة نفسه فبطلت ولأن ما فعله ليس هو ما أمر به، ومحتملٌ أن يُقال بصحتها لموافقتها الصواب في نفس الأمر، والظاهرُ الأول.
قال خليل في مختصره في ذكر ما تبطل به الصلاة: وبانصراف لحدث ثم تبين نفيه: كمسلم شك في الإتمام ثم ظهر الكمال على الأظهر. قال في منح الجليل: وشبه في البطلان فقال (كـ) شخص (مسلم) عمدا أو جهلا بفتح السين وكسر اللام مشددة من صلاته والحال أنه (شك) حال سلامه (في الإتمام) وعدمه وأولى سلامه معتقدا عدمه، (ثم ظهر) له (الكمال) لصلاته التي سلم منها شاكا فتبطل (على) القول (الأظهر) عند ابن رشد من الخلاف لمخالفته البناء على الأقل المتيقن الواجب عليه وأولى ظهور النقص أو بقاء شكه بحاله وهو هنا على حقيقته لا ما قابل الجزم لاقتضائه أن السلام مع ظن الكمال مبطل وليس كذلك, كما أفاده الحط عن ابن رشد هذا هو المشهور، ومقابله قول ابن حبيب إن ظهر الكمال لا تبطل .انتهى.
وإذا اختلفَ الإمامُ والمأمومون في السهو ولم يكن الإمامُ جازماً بصوابِ نفسه وجبَ عليه الرجوع إلى قولهم، قال الشيخ ابن عثيمين: لا يلزمه الرجوع، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين، لكن إن غلب على ظنه صدقه أخذ بقوله، فإن سبح به رجلان ثقتان وجب عليه الرجوع، إلا أن يجزم بصواب نفسه، فإن لم يرجع وهو لم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته؛ لأنه ترك الواجب عمداً، وإن جزم بصواب نفسه لم يرجع وبنى على ما جزم به. مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين -المجلد الرابع عشر- كتاب سجود السهو.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني