الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم البيع إذا قبل المشتري بالسعر خشية الضرر

السؤال

قمت أنا وصديقتي بفتح دار لتحفيظ القرآن الكريم، ودفعت كل واحدة منا نصيبها، وهذه الدار افتتحناها في المدينة التي أدرس بها، والتي تسكن بها شريكتي، فكانت هي التي تذهب إلى هناك باستمرار للإشراف على العمل، وعندما بدأت الدراسة، كنت أذهب إلى كليتي، وأمرّ بالدار لأتابع العمل، وفي يوم عرفت من السكرتيرة أن هناك مجموعة رجال يجتمعون في أيام معينة -لا أكون فيها موجودة-، وعلى رأسهم عمّ صديقتي، وهو مراقب أمني، وهذا ما أخبرتني به صديقتي قبل فترة، وقبل أن نفكّر في المشروع أصلًا، وكانت في اليوم الذي يذهب عمها، لا تذهب هي إلى الدار، فذهبت في غير موعدي إلى الدار باكرًا، ووضعت جهاز تسجيل أسفل أحد الكراسي، ثم ذهبت إلى كليتي، وعدت في الوقت الذي عرفت من السكرتيرة أنهم يجتمعون فيه، فتفاجئوا بي، وحاول عمّ الفتاة إخراجي بأي صورة، وتلعثم في الكلام متسائلًا عما جاء بي، فأخبرته أني أعرف كل شيء، ثم دخلت وأخرجت جهاز التسجيل، وأخبرته أني قمت بتسجيل كل شيء، فقال: إنه سيأخذهم وينصرف، فرفضت، وقلت: إن الأمر انتهى، ومن المؤكد أن الشرطة قد عرفت المكان، وأصبح مشتبهًا بأصحابه، وسأل عما أريد، فأخبرته أن نصيبي في الدار 4 آلاف جنيه، وذلك ما دفعته فعلًا، فقال: سأعطيك إياه، وتنازلي لي عن نصيبك، فرفضت، وطلبت 15 ألف جنيه، فاندهش، وأراد إمهاله لآخر الشهر، فرفضت، وقلت: الآن، فحاول التأخير، وصممت أنا على موقفي، فذهب وأحضر المال بالفعل، وأعطيته الشريط، وأخبرته أني سأكتب معه عقد التنازل في آخر الشهر، ثم انصرفت، وحدثت شريكتي على الهاتف، وعنفتها بشدة عما حدث، وحاولت التبرير، وطلبت إعادة المال، لكني لم أعطها جوابًا، وبعد أن عدت للمنزل، شعرت بالريبة في مشروعية ذلك المال، وأحسست أني كنت استغلالية، ولكنه أثار غضبي بما فعله من استغلال للمكان، وفعل أمر من وراء ظهري بما قد يضر الدار، ويضرني أنا أولًا، فما حقي في هذا المال: هل نصيبي فقط، أم نصيبي مضافًا عليه جزء منه؟ فأنا بعته بعدما تمت شهرته، كما أنه سيتسلمه بلا أي جهد، وهل لي الحق في بيعه بالسعر الذي أحب؟ أفيدوني -أفادكم الله-، وإن كان من حقي بيع نصيبي بالمبلغ الذي أحب، ولكن بالقدر المعقول، فأرجو إيضاح ذلك لي، وقد كتبت لكم المبالغ والأرقام؛ لكي تشيروا عليّ أيضًا بالأرقام. بارك الله فيكم، وجزاكم عنا خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فعلى المسلم أن يبتعد عن سوء الظن، والتجسس، فلا يجوز التجسس بمجرد الظن، إلا إذا كانت هناك أمارات، وآثارًا تدل على ارتكاب معصية، أو جريمة، يخشى فوات استدراكها بعدم التجسس، ويمكنك مراجعة حكم التجسس في الفتاوى: 27163، 30115، 66013، 111839.

وما قامت به شريكتك من السماح لهؤلاء الرجال بدخول الدار دون استئذانك في ذلك، أمر غير جائز، خاصةً إذا كان في ذلك ضرر، كما يظهر من كلامك، ولكن المسلم مطالب بالعدل مع غيره على كل حال، قال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {المائدة:8}.

والأصل أنه يجوز أن تبيعي نصيبك من الدار بما شئتِ من مال، إذا تم التراضي على ذلك؛ فعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما البيع عن تراض. أخرجه ابن ماجه، وابن حبان، وصححه البوصيري. وفي كشاف القناع: وشروط البيع سبعة: أحدها: التراضي به منهما، أي: من المتبايعين، وهو أن يأتي به اختيارًا؛ لقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ {النساء:29}. اهـ.

والذي يظهر لنا أن المشتري – عم صديقتك-، لم يرض بهذا المبلغ، وإنما قبل به خشية الضرر، والبيع الذي تم بينكما باطل، عند جمهور الفقهاء؛ لعدم وجود الرضا، وعند الحنفية فاسد، ويكون للمشتري الخيار بين فسخه وإمضائه.

فعليك أن تتوبي من الذنب الذي وقعت فيه - التجسس -.

ولا بأس أن تبيعي نصيبك من الدار بعقد جديد، بما تتفقين عليه مع عمّ صديقتك من الثمن.

أما الثمن المناسب لبيع نصيبك، فلا علم لنا به؛ لأن ذلك يتفاوت بتفاوت المكان، وكثرة العرض، ونحو ذلك.

ويمكنك أن تستعيني برأي أهل الصلاح، والخبرة في ذلك المكان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني