الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما تفعله أختك من إفساد بينك وبين إخوتك حرام شرعا لأنه من النميمة وهي من كبائر الذنوب, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: لا يدخل الجنة قتات. أي نمام.
جاء في فتح الباري: وقال الغزالي ما ملخصه: النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه، ولا اختصاص لها بذلك بل ضابطها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولا أم فعلا، وسواء كان عيبا أم لا، حتى لو رأى شخصا يخفي ما له فأفشى كان نميمة. انتهى
ولكنا مع هذا ننصحك بأن تقابلي هذا الأذى والتطاول والعدوان بالعفو والصفح والتغاضي عن أذاها وعن أذى أخيك أيضا, فمهما يكن من أمر فهم إخوتك ولهم عليك حقوق القرابة والرحم.
وقد قال الله سبحانه: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء:1}.
واعلمي أن العفو والصفح والصبر من معالي الأخلاق, ومن عزم الأمور، كما قال سبحانه: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {آل عمران:186}.
وقد أمر الله سبحانه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه الأخلاق الكريمة، فقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {لشورى:40}.
وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ {النــور:22}.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
فانظري كيف أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من عفا فإن الله يزيده عزا بعفوه فكيف يأتي بعد هذا من يقول إن العفو إهدار للكرامة وإذلال للنفس.
العفو والصّفح هما خلق النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأين المشمرون المقتدون، إن من يغالِبهم حب الانتصار والانتقام أين هم من خلق سيد المرسلين، سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله, فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
ومهما صنع إخوتك معك من أذى فلن يكون أذاهم كأذى إخوة يوسف له فقد وصل بهم الأمر إلى رميه في قعر بئر مظلمة وفرقوا بينه وبين أبيه, حتى بيع بثمن بخس دراهم معدودة, وكان من آثار ذلك أن تعرض لفتن كثيرة كفتنة النساء وفتنة السجن.
وانظري ما حكى الله سبحانه عنه عندما آل أمره إلى النصر والعزة والتمكين فلم يقابل السيئة بمثلها وإنما عفا عنهم، وكان من أمره ما حكاه القرآن الكريم عنه: قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {يوسف:92}.
واعلمي أيتها السائلة أن القوة الحقيقية هي كبح جماح النفس عن الاسترسال في الغضب والانتقام , فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
والفتوة الحقيقية هي العفو عن الإخوان, أما ما تجدينه في صدرك من ضيق بسبب ما يحدث لك من إهانة فهذا- إن شاء الله –لا حرج فيه ما لم يخرج من دائرة حديث النفس إلى دائرة التنفيذ والانتقام , فقد جاء عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به. رواه أبو داود والنسائي وغيرهما واللفظ للنسائي, وصححه الألباني, ولكن هوني على نفسك ولا تحزني ولا تهتمي لذلك فالكل قادم على ربه سبحانه ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
ثم عليك أن تحمدي الله سبحانه على ما من الله به عليك من نعم عظيمة كانت – لعظمها وجلالتها - سببا في حسد أختك لك, واجعلي من شكر هذه النعم أن تعفي عن إخوتك وأن تصليهم وأن تصبري عليهم, ولا بأس بأن تجعلي علاقتك معهم – إن كنت تخشين أذاهم – في حدود ضيقة بحيث لا يصلك منهم ما تكرهين.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 113608, 113587, 111346, 76612.
والله أعلم.