الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس من العقوق مخالفة الوالدين فيما لا يرغب فيه الابن

السؤال

يريد أهل زوجي أن يتزوج ثانية علي علماً أنه لدينا طفلة بعمر سنتين ونصف, وذلك لمجرد أنهم لا يحبونني علماً أنني لم أخطئ بحقهم ولم أفعل ما يغضبهم, وزوجي يرفض الفكرة لأنني غير مقصرة في واجبه ونحن والحمد لله متفاهمون جداً ولكنه يخشى أن يكون في ذلك عقوق لوالديه لأنهم أخبروه أنهم سيغضبون عليه إن لم يفعل ما يريدون, فهل في رفضه عقوق ؟
أرجو الرد بأسرع وقت ممكن لأنهم الآن قد خطبوا له فتاة قريبتهم ونحن بانتظار ردكم وجزاكم الله عنا ألف خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمما علم من الدين بالضرورة وجوب بر الوالدين وطاعتهما في المعروف والإحسان إليهما، والأدلة على ذلك من القرآن الكريم والسنة المطهرة أشهر من أن تذكر، منها على سبيل المثال قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 22-24}. وقال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي, وصححه الألباني.

وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني، ويتأكد حق الأم في الطاعة والبر والصلة فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب. حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

وبناء على ذلك نقول: إذا أمكن أن يقوم زوجك بما يطلبه منه أبواه من الزواج بامرأة ثانية، وكان يستطيع القيام بحقوق التعدد وواجباته من العدل في النفقة والمبيت والقسم وغير ذلك، وعلم مع ذلك تأذي والديه إن هو ترك الزواج فإن الأولى له أن يفعل طاعة لوالديه وبراً بهما، ولكن لا يجب عليه ذلك خصوصا مع ما ذكرت من كونه لا يريد ذلك، ولا يصير عاقا بامتناعه عن ذلك، فقد نص العلماء على عدم جواز إجبار الوالد ابنه على نكاح من لا يريد، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه كان النكاح كذلك وأولى، فإن أكل المكروه مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك ولا يمكن فراقه. انتهى.

أما إذا غلب على ظنه الوقوع في الحرام إن هو تزوج بثانية كأن يقع في ظلم إحدى زوجتيه أو تضييع حقوقها فإنه لا يجوز له حينئذ الزواج، ولا عبرة بما يطلبه منه والداه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

ولكن على زوجك في كل الأحوال أن يسترضي والديه وألا يجاهر بمخالفتهما، بل عليه أن يداريهما وأن يتلطف في عدم الاستجابة لهما، وليجعل منهجه في ذلك ما أفتى به الإمام أحمد رحمه الله حينما سئل سؤالاً: عن أب يقول لولده: ادخل عليَّ الغرفة، والغرفة مفروشة حريراً، فقال: يلف البساط من تحت رجليه ويدخل.

وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 73175، والفتوى رقم: 76641.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني