السؤال
علماءنا الأعزاء .. أدام الله فضلكم وعلمكم وأبقاكم لنا ..
أنا كنت على علاقة لا ترضي الله ورسوله لفترة بإحدى الفتيات لمدة تزيد عن الثلاث سنوات ..
وقبل فترة وجيزة قامت بتفضيل أحدهم علي، وقررت الزواج منه، أنا أعلم أن هذه العلاقة محرمة شرعا، وأتوب إلى الله في كل صلاة من سوء أعمالي.
لقد قمت بفضح هذه الفتاة من خلال إرسال صور خادشة للحياء كانت هي قد أرسلتها لي بحر إرادتها ..وقمت بإرسال هذه الصور إلي مدرائها وزملائها في العمل.
أنا أعترف بسوء عملي وفظاعة نفسي وسوء شيطاني.
ما هو حكم الإسلام الشرعي في؟ وكيف لي أن أنجو بنفسي من سخط الله وعذابه .. فأنا لم أذق طعم النوم الهادئ، ولا أستطيع أن آكل لكثرة التفكير في هذا العمل المشؤوم.
هل يعتبر ما فعلته تشهيرا أم قذفان وللعلم فأنا فقط وزعت صورها التي هي حقيقة لها. ولم أقم بقذفها بأي الكلمات كالزنا أو ما شابه.
أتمنى أن أجد في محيط علمكم ما يساعدني على تخطي عمل نفسي ..وأن أجد الجواب الشافي لكي أناجي الله بتوبة نصوح.
هل علي ما يترتب من أحكام شرعيه لكي أرد حقها، ولكي أستطيع أن أطهر نفسي ولو بجلد ظهري؟ هل للفتاة حقوق يجب أن أفعلها لها لكي تكون توبتي مقبولة إن شاء الله .. فكما علمت فإن حقوق العباد لا تضيع عند بارئها ..
أستميحكم عذرا يا شيوخي .. فأنا عبد تائه أهوته نفسه وخدعه شيطانه ..
فهل لكم أن تمدوا لي يد العون وتكسبوا في أجرا يفضلكم الله به عن الخلق.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما فعلته من تشهير بهذه الفتاة وفضيحتها جريمة عظيمة تنضم إلى معصيتك السابقة في علاقتك غير المشروعة بها، وفعلك هذا من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ولا شك أنها من كبائر الذنوب التي توعد الله سبحانه فاعلها بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النور: 19}، فانظر كيف توعد الله بهذا الوعيد الشديد من أحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فكيف بمن أشاع الفاحشة فعلا كما كان منك. والعذاب الأليم الدنيوي المتوعد به في الآية هو ما يعم المصائب والآفات التي تصيب الشخص في بدنه وماله وما يحب، قال الألوسي رحمه الله { لَهُمْ } بسبب ذلك {عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدنيا} مما يصيبه من البلاء كالشلل والعمى {وَ} في {الآخرة} من عذاب النار ونحوه. انتهى.
وقد نتج عن شؤم فعلك هذا مصيبة أخرى شنيعة، وهي ما تسببت فيه من فتنة الأشخاص الذين أرسلت لهم هذه الصور القبيحة الفاضحة وما عرضتهم له من النظر المحرم إلى العورات فكنت خير معين للشيطان عليهم، وهذه صورة أخرى من صور إشاعة الفواحش ونشر الرذائل والآثام وفتنة المسلمين، ذلك أن النفوس إذا كانت بعيدة عن الفواحش والشهوات المحرمة فهي غافلة عنها ساهية عن التفكير فيها، أما إذا وجدت من يذكرها بذلك وينبهها له عند ذلك تتحرك كوامن الفتنة ودواعي الفساد والشر. قال ابن عاشور في التحرير والتنوير عند تفسيره للآية السابقة: ومن أدب هذه الآية أن شأن المؤمن أن لا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه، فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء كذلك يجب عليه أن لا يحب إشاعة السوء عن إخوانه المؤمنين. ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو بالكذب مفسدة أخلاقية فإن مما يزع الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها بله الإقدام عليها رويداً رويداً حتى تنسى وتنمحي صورها من النفوس، فإذا انتشر بين الأمة الحديث بوقوع شيء من الفواحش تذكرتها الخواطر وخف وقع خبرها على الأسماع فدب بذلك إلى النفوس التهاون بوقوعها وخفة وقعها على الأسماع، فلا تلبث النفوس الخبيثة أن تقدم على اقترافها، وبمقدار تكرر وقوعها وتكرر الحديث عنها تصير متداولة. هذا إلى ما في إشاعة الفاحشة من لحاق الأذى والضر بالناس ضراً متفاوت المقدار على تفاوت الأخبار في الصدق والكذب، ولهذا ذيل هذا الأدب الجليل بقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (أي يعلم ما في ذلك من المفاسد فيعظكم لتجتنبوا وأنتم لا تعلمون فتحسبون التحدث بذلك لا يترتب عليه ضر وهذا كقوله: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ. انتهى.
ولكن فعلك هذا وإن كان كبيرة من الكبائر إلا أنه لا يعتبر من القذف الذي يوجب الحد.
فالواجب عليك هو التوبة إلى الله من هذا الفعل، ثم الدعاء لهذه الفتاة والاستغفار لها، واحذر أن تتصل بها أو تتعرض لها خصوصا بعد ارتباطها بهذا الرجل التي تقدم للزواج منها، فإن هذا حتما سيفسد عليها حياتها.
كل ما يلزمك هو أن تتوب وتستغفر لنفسك ولهاظ، وأن تكثر من الأعمال الصالحة المكفرة.
والله أعلم.