الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

تعرفت منذ أشهر على أخت في أحد المواقع على الإنترنت، و كانت نعم الأخت المسلمة التي تسعى لاستنهاض الهمم و العودة الى الدين, و قد توفاها الله رحمة الله عليها منذ أيام، وأرغب في معرفة ما يمكنني عمله من أجلها الى جانب الدعاء، فبعض الأعضاء ناشدوا بأن يصلي كل منا عليها صلاة الغائب و أنا لا أعرف مشروعية مثل هذا الأمر، و منهم من قال بأنه يمكن أن نهدي لها ثواب ما نقوم به من أعمال صالحة، مستشهدين على ذلك بجواز الحج أو العمرة عن المتوفى، و قائلين بأن حديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث لا يعني أن ينقطع العمل له، و بهذا فلو أن أحدا أهداه ثواب عمله الصالح فانه ينفعه، و ينسبون هذا القول للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فهل هذا صحيح ؟ و هناك أمر آخر يؤلمني و أشعر بالذنب بسببه، وهو أنني أسأت الظن بها مرتين: المرة الأولى قبل أن أعرفها شخصيا، إذ اعتقدت أنها شيعية بسبب الصورة الشخصية التي كانت تستعملها، فكنت أقرأ ما تكتبه من مواضيع بعناية، لأتصيد أي محاولة لنشر أفكار منحرفة أو مشبوهة، ثم تبين لي خطأ ما كنت أعتقده، و كنت أنوي حقا إخبارها بذلك، و بأنني كرهتها في البداية ثم أحببتها لاحقا، لكن الظروف لم تسمح لي بذلك. و المرة الثانية كانت بعد أن تعرفنا و تصادقنا حيث اتهمتها إحدى العضوات أنها تحاول الإساءة لها بأساليب لا أخلاقية و صدقها الغالبية ورحن يكلن لها الاساءات، و هي أقسمت أنها لم تفعل ذلك، وأنا دافعت عنها أمام الجميع، لكنني بيني و بين نفسي خفت أن أكون خدعت فيها، فأرسلت رسالة خاصة للعضوة التي اتهمتها، و قلت لها إنني لا أستطيع تصديق هذا الأمر وأن الاخت طالما ذكرتها أمامي بالخير و أشادت بها وهذه حقيقة، و قلت لها أن ما ذكرته من مبررات و أسباب لاتهامها غير مقنعة أو كافية، و طلبت منها أن تخبرني إن كان هناك أمور أخرى لا أعرفها دفعتها لتوجيه الاتهام لها، لأنني لا أريد أن تربطني بها علاقة إن كانت على غير ما أظنه من الصلاح ووعدتها ألا أخبر أحدا بما ستقوله لي، و قد أجابتني هذه العضوة بأنها لا تملك أي أسباب أخرى غير ما كانت قد أشاعته. و بعد حوالي الشهر تبينت براءة هذه الأخت من التهمة، واعتذر منها الجميع, و قد فرحت كثيرا بذلك، ولم أستطع إخبارها أنني أيضا ارتبت فيها.ويؤلمني الآن جدا أنها كانت تحبني و تثق في بينما أنا أسأت الظن بها، فماذا أفعل لأكفر عن هذا الذنب ؟ و هل يكفي الدعاء لها لتسامحني على سوء ظني؟أعتذر على الاطالة. و شكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يرحم صديقتك وسائر موتى المسلمين، وأن يرزقك الصبر على فقدها، ونذكرك بهذه البشارة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ. رواه البخاري في صحيحه.

قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: قَوْله إِذَا قَبَضْت صَفِيّه هُوَ الْحَبِيب الْمُصَافِي كَالْوَلَدِ وَالْأَخ وَكُلّ مَنْ يُحِبّهُ الْإِنْسَان, وَالْمُرَاد بِالْقَبْضِ: قَبْض رُوحه، وَهُوَ الْمَوْت، والْمُرَاد بِاحْتَسَبَهُ: صَبَرَ عَلَى فَقْده رَاجِيًا الْأَجْر مِنْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ. انتهى.

وأما عن صلاة الغائب عليها، فالراجح -والله أعلم- أن صلاة الغائب مشروعة في حق من مات بأرض ليس فيها من يصلي عليه، أما من صلي عليه حيث مات فإنه لا يصلى عليه صلاة الغائب، كما بينا ذلك بأدلته في الفتوى رقم: 30687 .

وبخصوص الدعاء للميت وإهداء ثواب الأعمال الصالحة له من الحي فإنه ينتفع بذلك ويصل ثوابه إليه على الراجح من أقوال أهل العلم، وقد سبق بيان ذلك بأدلته ومذاهب العلماء فيه في الفتويين : 5541، 8150 ، فنرجو الاطلاع عليهما وعلى ما أحيل عليه فيهما .

وأما عن قول الشيخ ابن عثيمين في مسألة إهداء ثواب الأعمال فهو يرى رحمه الله جواز ذلك، ويرى أن الأفضل هو الالتزام بما ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء والاستغفار للميت ونحو ذلك مما ثبت في السنة.

وأما عن سوء الظن فلا شك أنه منهي عنه؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوااجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ .{الحجرات: 12}.

والظاهر أن سوء ظنك كان مجرد خواطر على القلب دون تحقيق ذلك أو التكلم به، لأنك دافعت عنها والتمست براءتها وحاولت التثبت في المرتين، وهذا من المعفو عنه، كما ثبت في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ. رواه البخاري ومسلم. وراجعي الفتوى رقم: 20456، ففيها مزيد بيان لهذا الحديث.

ويكفي إن شاء الله في كفارة سوء الظن ما لم يصحبه قول أو عمل به: التوبة والاستغفار، ولو أضفت إلى ذلك الدعاء لصاحبتك والاستغفار لها فهو خير لك ولها، ولمزيد من التفصيل حول أحوال سوء الظن وما يجب في كل منها من كفارة راجعي الفتويين: 10077، 116193.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني