السؤال
سؤالي عن الوضوء مع وجود نجاسة قليلة على أعضاء الوضوء يصعب الاحتراز منها، حيث تلازم الشخص باستمرار، ومصدر هذه النجاسة كثيرة في البيت والأسواق وأماكن العمل، حيث عندما يدخل الإنسان الحمام ويلامس مثلا مغلقة الحمام المتنجسة من الأولاد الصغار في البيت ويلامسونها وأيديهم متنجسة أو من غيرهم ممن يتساهلون في أمر النجاسات، وخاصة في الحمامات العامة في الأسواق حيث يدخلها من كل فئات الناس حتى ممن لا يصلون ولا يحترزون من النجاسات ، وعندما ألمس هذه الأشياء ويدي مبلولة وأنسى وألمس وجهي أو أي عضو من أعضاء الوضوء وهي مبلولة. وسؤالي هو عندما أتوضأ أصب الماء من الحنفية ملء الكفين و أغسل وجهي بالكفين معا الغسلة الأولى (الفرض) حيث يكون دائما في مقدمة الوجه(الناصية) نجاسة قليلة يصعب الاحتراز منها فهل تجزئ الغسلة الأولى الفرض ملء الكفين أم أنه حتى القائلين بأنه يعفى عن النجاسة القليلة يقولون بوجوب غسل النجاسة القليلة قبل البدء بالوضوء، وهل في حالة النجاسة القليلة على أعضاء الوضوء ينفصل الماء من أعضاء الوضوء متنجسا أم أنه ينفصل غير متنجس؟ أرجو منكم الإجابة بالتفصيل حيث أخشى أن يكون الوضوء غير مجزئ، كذلك لا أعلم أن غسل الوجه أو غيره باستمرار قبل كل وضوء في هذه الحالة هل يعتبر من التنطع والغلو؟ أم أنه من باب الاحتياط ولا يعتبر بدعة؟ أم ترك ذلك أفضل لأن فيه مشقة؟ أرجو الإجابة وجزاكم الله عنا خيرا .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولاً أن الأصل في الأشياء الطهارة، وهذا اليقين لا يُزال عنه إلا بيقينٍ مثله، وعليه فمغالق الحمامات وغيرها من الأشياء التي ذكرت أنك تلمسها ويدك مبتلة، فإن يدك لا تتنجس بملامستها فضلاً عن أن يتنجس وجهك بملامسة يدك له، فإن هذه الأشياء طاهرة هذا هو الأصل فيها، ما لم يحصل عندك يقينٌ بنجاستها، وقد سئل الشيخ العثيمين رحمه الله: الأرض الواسعة التي يرتادها الناس ويجلسون فيها كثيراً ولست متأكداً من نظافتها، هل تصح الصلاة فيها؟ أو ما حكم الصلاة على السجادة التي نجلس عليها كثيراً وأحملها دائماً في سيارتي، وقد تتعرض للأتربة والغبار وغير ذلك من الأوساخ؟ فأجاب: الأرض الواسعة التي يجلس فيها الناس كثيراً بأهليهم وغلمانهم الصغار طاهرة حتى يتيقن الإنسان نجاستها لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا. حتى لو غلب على الظن أنها نجسة فهي طاهرة ما لم يتيقن نجاستها، وإن تيقن أنها نجسة ومضى عليها زمنٌ فإن الشمس والريح تطهرها إذا لم يبقَ للنجاسة أثر، وكذلك حكم السجادة التي يجلس عليها، ويلقيها في السيارة وفي الأرض ويطؤها الصبيان الصغار هي طاهرة أيضاً ما لم يتيقن نجاستها، وليعلم أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يتيقن الإنسان نجاستها. انتهى. بتصرف.
ونحنُ نحذرك من الوسوسة في باب الطهارة، فإنها تجرُّ إلى شرٍ عريض يصعبُ تداركه.
وأما عن مسألتك على فرض وقوعها فعلا، وهي هل يصح الوضوء إذا كان على عضو من أعضاء الوضوء نجاسة؟ فهذه مسألة خلاف بين أهل العلم، فقد جعل بعض العلماء إزالة النجاسة من أعضاء الوضوء شرطاً في صحته، جاء في حاشية الدسوقي: فإن كان مريد الطواف أو مس مصحف، وكانت النجاسة في عضو من أعضاء وضوئه وجبت الإزالة لأجل صحة الوضوء المتوقف عليها صحة الطواف. انتهى.
والراجحُ إن شاء الله أن ذلك لا يُشترط، بل لو توضأ، وعلى عضو من أعضائه نجاسة، ونوى بغسله رفع الحدث أجزأه، قال في مواهب الجليل: ولم يعد الجسد الطاهر كما عده الأبهري وغيره لأن الذي ارتضاه في توضيحه في باب الغسل وابن عرفة هنا أنه لا يشترط طهارة المحل قبل ورود الماء لغسل الوضوء. قال ابن عرفة: وظاهر قول عبد الحق وبعض شيوخه في انغماس الجنب والمازري في نية رفع الحدث وإزالة النجاسة وسماع ابن أبي زيد وابن القاسم لا بأس بوضوئه بطهور ينقله لأعضائه وبها ماء نجس وقول ابن القاسم فيها في ماء توضأ به إن لم يجد غيره توضأ به. انتهى.
وقال ابن قدامة: ولو انغمس الجنب في ماء كثير أو توضأ في ماء كثير يغمس فيه أعضاءه ولم ينو غسل اليدين من نوم الليل صح غسله ووضوؤه ولم يجزه عن غسل اليد من نوم الليل عند من أوجب النية في غسلهما، لأن بقاء النجاسة على العضو لا يمنع رفع الحدث، فلو غسل أنفه أو يده في الوضوء وهو نجس لارتفع حدثه. انتهى.
وقال النووي في المجموع: ولم يعد الأكثرون إزالة النجاسة من واجبات الغسل، وأنكر الرافعي وغيره جعلها من واجب الغسل قالوا: لأن الوضوء والغسل سواء ولم يعد أحد إزالة النجاسة من أركان الوضوء. انتهى.
بل لو لم ينو إزالة النجاسة ارتفع حدثه بنية رفع الحدث، وحُكم بزوال النجاسة إذا زالت عينها، أو لم تكن لها عينٌ وسال الماء عليها كالبول، فإن إزالة النجاسة لا يُشترط لها النية عند الجمهور، قال الشيرازي في المهذب: الطهارة ضربان: طهارة عن حدث. وطهارة عن نجس: فطهارة النجس لا تفتقر إلى النية لأنها من باب التروك. فلا تفتقر إلى نية. كترك الزنا والخمر واللواط والغصب والسرقة. انتهى.
وما انفصل من الماء غير متغير بالنجاسة، فإنه طاهر كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 173583.
ولكن إذا انفصل هذا الماء متغيرا بالنجاسة لم يرتفع به الحدث لأنه ماءٌ محكوم بنجاسته، فلا يكون رافعا للحدث، إذ الحدث لا يرتفع إلا بالماء الطهور، قال ابن قدامة: ما أزيلت به النجاسة، إن انفصل متغيرا بالنجاسة، أو قبل طهارة المحل، فهو نجس؛ لأنه تغير بالنجاسة أو ماء قليل لاقى محلا نجسا لم يطهره، فكان نجسا، كما لو وردت عليه. انتهى.
وأما غسل الوجه قبل الوضوء خشية أن يكون عليه نجاسة، فإنه مما لم ترد به السنة، ولو كان خيراً لشرعه النبي صلى الله عليه وسلم، وبينه لأصحابه، بل يُشبه أن يكون هذا نوعا من الوسوسة، فحذار حذار أن تسترسل معها، ولا تغسل وجهك ولا شيئا من أعضاء الوضوء قبل الشروع في الوضوء، إلا إذا تيقنت أن عليه نجاسة فتزيلها خروجاً من خلاف من جعل إزالة النجاسة قبل الوضوء شرطاً في صحته.
والله أعلم.