الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل يجوز التسبيح لغير الله؟ فقد ورد في شعر لأحد أقاربي قول:
ولكني ما زلتُ أستطيع أن أهبكِ أشياءَ تحياكِ ترددُ اسمكِ بالآفاقً تسبيحا.
و قد حصل خلاف على هذا القول لجهة جوازه أو حرمته. أفيدونا أثابكم الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمبنى الجواب على معرفة معنى التسبيح، ومعناه كما قال الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر في كتابه فقه الأدعية والأذكار: هو التنزيه، فأصل هذه الكلمة من السَّبح وهو البُعد، قال الأزهري في تهذيب اللغة: ومعنى تنزيه الله من السوء تبعيده منه، وكذلك تسبيحه تبعيده، من قولك: سبحتُ في الأرض إذا أبعدتَ فيها، ومنه قوله جلّ وعزّ: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ. وكذلك قوله: وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً. فالتسبيح هو إبعادُ صفات النقص من أن تُضافَ إلى الله، وتنزيهُ الربِّ سبحانه عن السوء وعمَّا لا يليقُ به، قال ابن جرير: وأصلُ التسبيح لله عند العرب التنزيه له من إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرئة له من ذلك. ونقل الأزهري في كتابه تهذيب اللغة عن غير واحد من أئمّة اللغة تفسير التسبيح بالمعنى السابق وقال: وجِماعُ معناه بُعدُه تبارك وتعالى عن أن يكون له مثلٌ أو شريكٌ أو ضِدٌّ أو نِدٌّ. اهـ.

وبهذا يتبين أن التسبيح معنى مختص بالله تعالى ولا يجوز إضافته لغيره سبحانه، وهذه من القرائن التي صرفت الضمير عن العود إلى أقرب مذكور في قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. {الفتح:9،8 }.

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: التسبيح: الكلام الذي يدل على تنزيه الله تعالى عن كل النقائص، وضمائر الغيبة المنصوبة الثلاثة عائدة إلى اسم الجلالة، لأن إفراد الضمائر مع كون المذكور قبلها اسمين دليل على أن المراد أحدهما، والقرينة على تعيين المراد ذكر: وتسبحوه. اهـ.

وقال الألوسي في روح المعاني: زعم بعضهم أنه يتعين كون الضمير في -تعزروه- للرسول عليه الصلاة و السلام؛ لتوهم أن التعزير لا يكون له سبحانه وتعالى، كما يتعين عند الكل كون الضمير في قوله تعالى: وتسبحوه. لله سبحانه وتعالى، ولا يخفى أن الأولى كون الضميرين فيما تقدم لله تعالى أيضا لئلا يلزم فك الضمائر من غير ضرورة، أي وتنزهوا الله تعالى أو تصلوا له سبحانه من السبحة. اهـ.

وقال السعدي: ذكر الله في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، والمختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير، والمختص بالله، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها. اهـ.

فالحاصل من جميع ما تقدم أن التسبيح لا يكون بحال من الأحوال إلا الله تبارك وتعالى، فمن سبح لغير الله فهو على خطر عظيم، فعلى قريب السائل أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني