السؤال
يقول تعالى: يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ولقد سمعت من أحد العلماء أن القلب السليم هو القلب الخالي من أمراض النفس من حقد وضغينة وكبر وغرور.....
والسؤال هو: إذا أساء شخص لي، وأنا لم أحقد عليه ولم أحاول النيل منه، وسامحته في هذه الدنيا، ولكن أريد أن آخذ حقي منه في الآخرة، فهل هذا الشعور يعتبر حقداً، أعني هل علي أن أسامحه في الدنيا والآخرة وأترك حسابه على الله حتى يسلم قلبي من مرض الحقد ؟ وإن كانت الإجابة نعم، عندها قد يستغفر هذا الشخص من ذنبه ويغفر الله له، وبالنسبة لي، وبما أنني عفوت عنه في الآخرة والدنيا، عندها لن أستطيع أن آخذ حقي منه ( أعلم أن العفو له أجره الكبير ) في الآخرة، وبهذا أكون قد تضررت من هذا الشخص ونجا هو بالدنيا والآخرة.
الخلاصة هل العفو يقتضي المسامحة في الدنيا والآخرة أم هو المسامحة في الدنيا فقط، ويمكن للمرء أن يأخذ حقه في الآخرة؟
أرجو من الله أن أكون وفقت في توضيح سؤالي.
وشكراً لجهودكم المبذولة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلعل من المناسب أن نعرف ببعض الألفاظ التي وردت في سؤالك.
فالقلب السليم كما قال ابن القيم: هو الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره. ويدخل في سلامته من الشهوة سلامته من الحقد والضغينة والكبر والغرور.
والحقد كما قال ابن منظور في لسان العرب: هو الضغن أو إمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها. ولكن مثل هذا إنما يكون صاحبه مذموما في حق من لم يكن له مبرر شرعي، وأما من كان له سبب مشروع كأن يجد المظلوم ضغنا في نفسه على ظالمه فمثل هذا لا يتوجه ذم على صاحبه. وله الحق في التربص به ليجد فرصة يرد فيها مظلمته، ولذا رفع الله تعالى عنه الحرج في قالة السوء؛ كما قال تعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا. {النساء: 148}. قد أباح الله تعالى للمظلوم أن ينتصر ممن ظلمه، قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. {الشورى: 40-43}. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
فتحصل من هذا أن طلب المظلوم القصاص ممن ظلمه في الدنيا أو في الآخرة لا يتضمن محظورا. وقد دلت النصوص السابقة على أن العفو أفضل، فما يناله المرء من أجر العفو في الدنيا والآخرة أفضل مما قد يأخذه بالقصاص. فتبين بهذا أن الظالم إذا أصبح في حل من تبعة مظلمته بعفو المظلوم عنه لم يصبح المظلوم خاسرا، بل هو من الرابحين لأفضل مما قد تنازل عنه.
والمسامحة في الدنيا تقتضي تنازل المظلوم عن حقه، فإذ تنازل لم تكن هنالك تبعة على الظالم تلحقه في الآخرة، وهذا المعنى واضح في حديث أبي هريرة السابق، فقد حث الظالم على أن يتحلل من المظلوم حتى لا يؤاخذ في الآخرة.
والله أعلم.