السؤال
عندنا في مصر تكثر المنكرات، فلا يكاد الانسان يخرج في شوارع المسلمين في أي وقت من الأوقات إلا وإذا بها فيها من المنكرات ما فيها، فهل يجب علي الإنكار على تلك المنكرات جميعها إذا استطعت، سواء كان ذلك بالكلمه أو بالمطوية أو غير ذلك. طبعا لا بد من إنكار القلب وهو أدنى الحالات، ولكنني أخشى من ارتكابي للحرام بعد الإنكار، وهذا الأمر يشغلني، وياترى هل يجب علي الإنكار لو أنني كنت راكبا لدراجتي والله المستعان.
شيخي العزيز المجيب على سؤالي أنت تعلم أحوال المسلمين والمنكرات في زماننا، فأرجو من الله ثم منكم إجابة وافية شافية كافية واقعيه موضحة بالأمثلة بها إسقاطات على الواقع. والله المستعان، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين، كما يقول الغزالي، وهو واجب في الجملة، وحكى النووي وابن حزم الإجماع على ذلك. فالسكوت عند رؤية ارتكاب المنكر المتفق على تحريمه حرام، والنهي عنه واجب، وذلك حين توفر شروطه والمراتب والوسائل المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وهذا في الجملة. انتهى من (الموسوعة الفقهية).
ومما هو واضح في الحديث السابق مراعاة قدرة العبد، فإن الاستطاعة هي مناط التكليف.
قال المناوى: إن لم يستطع الإنكار بيده بأن ظن لحوق ضرر به ( فلبسانه ) أي بالقول كاستغاثة أو توبيخ أو إغلاظ بشرطه ( فإن لم يستطع ) ذلك بلسانه لجود مانع كخوف فتنة أو خوف على نفس أو عضو أو مال ( فبقلبه ) ينكره وجوبا بأن يكرهه به ويعزم أنه لو قدر فعل اهـ.
وقال ابن العربي: القدرة أصل، وتكون في النفس وتكون في البدن، إن احتاج إلى النهي عن المنكر بيده اهـ.
ويؤكد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. رواه مسلم.
وقد سبق لنا بيان وسائل ومراتب وشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فراجع في ذلك الفتويين: 36372، 17092 .
ولذلك فإننا ننصح الأخ السائل أن يجتهد في الأمر والنهي كلما رأى ما يستدعي ذلك، وأن يلتزم بالضوابط الموضحة في الفتويين أعلاه، فإن خاف على نفسه الضرر وسعه أن ينكر بقلبه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة أنكرها- كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها. رواه أبو داود، وحسنه الألباني. وراجع في ذلك الفتويين: 18122 ، 1048.
وأما قول السائل الكريم: (ولكنني أخشى من ارتكابي للحرام بعد الإنكار) فالمقرر عند أهل العلم أن وقوع الإنسان في المنكر لا يسقط عنه وجوب الإنكار، لأن تقصيره في أحد الواجبين لا يبيح له التقصير فيهما معا، وراجع لزاما في هذا المعنى الفتويين: 9329 ، 26549.
والله أعلم.