الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم طلب الطلاق لعدم الرغبة في السفر إلى الخارج

السؤال

هل يجوز للزوجة أن تطلب الطلاق، لأنها أصبحت ترفض السفر للخارج مع الزوج، ولأنها أصبحت تعاني من مشاكل نفسية نتيجة للغربة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فابتداء ننبه على أصلين متقررين:

الأول: حرمة طلب الطلاق من الزوج دون حاجة معتبرة على ما بيناه في الفتوى رقم: 117999.

الثاني: أن الواجب على الزوجة أن تنتقل مع زوجها حيث شاء ـ سواء في الحضر أو السفر ـ ما دام سيسكنها في مسكن آمن تأمن فيه على نفسها وعرضها وما دام يوفيها حقوقها من النفقة ونحوها، وقد بينا هذا مفصلا في الفتوى رقم: 72117.

من هنا يتبين أنه لا يجوز لهذه الزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها بسبب عدم رغبتها في السفر معه إلا إذا كانت تتضرر من السفر والغربة تضررا حقيقيا لا مجرد أوهام وخيالات فحينئذ يجوز لها طلب الطلاق، لأن الضرر من الأسباب التي تبيح للمرأة طلب الطلاق من زوجها، كما بيناه في الفتوى رقم: 99779.

ولعل هذه الحالة ـ أعني حالة الضرر ـ هي التي قصدها بعض كبار فقهاء الحنفية حينما منعوا الزوج من السفر بزوجته بغير رضاها، فقد قيد بعض فقهائهم هذا بما إذا وجد الضرر، فإذا انتفى الضرر جاز له السفر بها ولو لم ترض، جاء في حاشية ابن عابدين: وبعد إيفاء المهر إذا أراد أن يخرجها إلى بلاد الغربة يمنع من ذلك، لأن الغريب يؤذى ويتضرر لفساد الزمان.

ما أذل الغريب ما أشقاه كل يوم يهينه من يراه.

كذا اختار الفقيه وبه يفتى، وقال القاضي: قول الله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ {الطلاق: 6}.

أولى من قول الفقيه.

قيل قوله تعالى: وَلَا تُضَارُّوهُنَّ {الطلاق: 6}.

في آخره دليل قول الفقيه، لأنا قد علمنا من عادة زماننا مضارة قطعية في الاغتراب بها.

انتهى.

فعلم أن منعه من السفر بها بغير رضاها على قولهم مختص بأحوال منها: ما إذا تضررت الزوجة بالسفر، أو أراد الزوج إضرارها به، وكذا إذا كان الزوج غير مأمون عليها، مع إن ظاهر الرواية في المذهب الحنفي هو جواز سفر الزوج بزوجته ولو بغير رضاها، ولكن ينبغي تقييده بغير هذه الأحوال المذكورة، كما أفهمه كلام فقهاء الحنفية، جاء في حاشية ابن عابدين: فقد يكون الزوج غير مأمون عليها يريد نقلها من بين أهلها ليؤذيها أو يأخذ مالها، بل نقل بعضهم أن رجلا سافر بزوجته وادعى أنها أمته وباعها فمن علم منه المفتي شيئا من ذلك لا يحل له أن يفتيه بظاهر الرواية، لأننا نعلم يقينا أن الإمام لم يقل بالجواز في مثل هذه الصورة. انتهى.

وقال ـ أيضا ـ في الحاشية: بل لو علم المفتي أنه يريد نقلها من محلة إلى محلة أخرى في البلدة بعيدة عن أهلها لقصد إضرارها لا يجوز له أن يعينه على ذلك.

انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني