السؤال
سمعت أن لكل فتوى زمانها ومكانها فهل يختلف حكم الاستمناء فى عصرنا وزماننا هذا عن حكم الاستمناء قديما أم يظل الحكم ثابت لا يتغير إلى يوم الدين وماهو الحكم فى الاستمناء لغير الضرورة وللضرورة؟
سمعت أن لكل فتوى زمانها ومكانها فهل يختلف حكم الاستمناء فى عصرنا وزماننا هذا عن حكم الاستمناء قديما أم يظل الحكم ثابت لا يتغير إلى يوم الدين وماهو الحكم فى الاستمناء لغير الضرورة وللضرورة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فينبغي التنبه إلى أن صحة القاعدة الفقهية شيء، وصحة تطبيقها شيء آخر، كما أن ثبوت أي دليل شرعي لا يعني بالضرورة أن الاستدلال به يقع في محله. ومسألة تغير الفتوى بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد أمر مقرر صحيح، ولكنه ليس على إطلاقه، قال الدكتور عبد الكريم زيدان في (أصول الدعوة): الفتوى قد تتغير بتغير المكان والزمان، وهذا إذا كان الحكم الشرعي مبنياً على عرف بلد وتغير هذا العرف ولم يكن العرف الجديد مخالفاً للنص الشرعي. أو كان الحكم الشرعي مبنياً على معنى معين وتغير ذلك المعنى، كما في صدقة الفطر فقد جاء الحديث الشريف بإخراج صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو أقط. وقد قال العلماء: يجوز إخراج صدقة الفطر من الذرة أو الأرز أو غيرهما إذا كانت هذه الأصناف غالب أقوات البلد، وعلّل العلماء ذلك بأن الأصناف الواردة في الحديث الشريف إنما جاءت لأنها كانت هي غالب أقوات أهل المدينة ولم تأت على سبيل الحصر والتخصيص. وكذلك إذا كان الحكم الشرعي وارداً بالنسبة لمكان معين وزمان معين فيجب الإفتاء فيه في ذلك المكان والزمان دون الإفتاء بالحكم العام، كالسرقة الحد فيها هو قطع اليد وهذا هو حكمها العام، ولكن السرقة في الغزو في أرض العدو حكمها عدم القطع هناك ولزوم تأجيل إقامة الحد لورود الحديث الشريف "لا تقطع الأيدي في الغزو". وكذلك إذا كان الحكم ملحوظاً فيه تحقيق غرض معين ورأى الفقيه المفتي أن هذا الغرض لا يتحقق في موضوع الاستفتاء فلا ينبغي أن يفتي به، مثل أن يستفتيه أحد في إزالة منكر معين باليد ورأى الفقيه أن إزالته يترتب عليه شر ومنكر أكبر من المنكر القائم فينبغي له أن لا يفتيه بالحكم العام وهو إزالة المنكر باليد ما دام المفتي يرى ترتب منكر أكبر من المنكر المزال، وهذا باب واسع يعتمد على فطنة المفتي وملاحظته الأحوال والأمكنة والأزمنة والظروف وحالة المستفتي. اهـ.
وللدكتور سعد بن مطر العتيبي مقال مفيد حول هذا المعنى، بعنوان (تغيِّر الفتوى بين سوء الفهم وسوء القصد) ومما قال فيه: من الأمور المقررة في الشريعة أن الحكم الشرعي ذاته ثابت لا يتغير متى اتفقت صور المسائل واتحد مناطها، وإنما قد يتغير مناط الحكم تبعا لتغير الصور أو دخول العوارض المعتبرة في الشرع، ومن ثم تتغير الفتاوى والأحكام عند تنزيلها على المسائل والوقائع تبعا لذلك، وهذا أمر معقول ومعمول به حتى عند أهل القانون ... وحينئذ فعدم تغير الحكم مع تغير صور المسائل ومناطاتها - عند التأمل - هو الأمر المشكل الذي يحتاج إلى جواب. اهـ.
وقال الشيخ علي حيدر في (درر الحكام شرح مجلة الأحكام) تحت قاعدة: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان) قال: إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة على العرف والعادة ; لأنه بتغير الأزمان تتغير احتياجات الناس, وبناء على هذا التغير يتبدل أيضا العرف والعادة، وبتغير العرف والعادة تتغير الأحكام حسبما أوضحنا آنفا, بخلاف الأحكام المستندة على الأدلة الشرعية التي لم تبن على العرف والعادة فإنها لا تتغير. مثال ذلك: جزاء القاتل العمد القتل. فهذا الحكم الشرعي الذي لم يستند على العرف والعادة لا يتغير بتغير الأزمان. اهـ.
ولذلك تذكر هذه القاعدة مع القواعد المتفرعة عن قاعدة: (العادة محكمة لأنها تتناول في الأصل الأحكام الشرعية المبنية على العرف والعادة. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 81013 ، 25069 .
فإذا علم هذا، علم أن حكم الاستمناء لا يتغير بتغير الزمان، لأن حرمته لا تستند إلى عرف الناس وعادتهم، بل هي ثابتة بالدليل الشرعي.
وأما بخصوص حكم الاستمناء للضرورة ، فقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 99923.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني