الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المرأة التي غاب زوجها وتضررت من طول غيابه

السؤال

امرأة غاب عنها زوجها منذ سنة ولم يعد إلى يومنا هذا وتريد الطلاق، حيث فهمت أنه لا يريدها، وقد بحثت عنه ولم تجده، وقد تم عقد زواجها منه شرعيا بدون توثيق في البلدية في فرنسا، والآن تريد الزواج، فكيف تطلق وتعتد، لكي يصح زواجها من الثاني؟ علما بأن القانون هنا ـ في فرنسا ـ لا تعترف بهذا الزواج، لأنه غير موثق، وبالتالي، فالقاضي لا يستطيع تطليقها، فهل يطلقها إمام المسجد؟ وما هي صيغة التطليق؟.
وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان عقد النكاح المذكور قد اكتمل بشروطه ـ من حضور ولي المرأة أو من ينوب عنه مع شاهدي عدل ومهر وصيغة دالة على العقد ـ فهو نكاح صحيح ولا يشترط توثيقه لدى محكمة أو غيرها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 7704.

وإذا كانت الزوجة المذكورة قد تضررت بغياب زوجها، لعدم النفقة أو المعاشرة، فلها رفع أمرها إلى جماعة المسلمين أو مركز إسلامي في بلد إقامتها، لأن جماعة المسلمين تقوم مقام القاضي ـ إن عدم حقيقة أو حكما ـ قال الدسوقي المالكي في حاشيته: من جملة أمر الغائب: فسخ نكاحه لعدم النفقة، أو لتضرر الزوجة بخلو الفراش، فلا يفسخ نكاحه إلا القاضي ما لم يتعذر الوصول إليه ـ حقيقة أو حكما ـ بأن كان يأخذ دراهم على الفسخ وإلا قام مقامه جماعة المسلمين، كما ذكر ذلك شيخنا العدوى. انتهى. وفي أسني المطالب لزكريا الأنصاري الشافعي: نعم إن انقطع خبر الغائب ثبت لها الفسخ، لأن تعذر النفقة بانقطاع خبره كتعذرها بالإفلاس، نقله الزركشي عن صاحب المهذب والكافي وغيرهما. انتهى.

لكن لا يحكم بالطلاق إلا بعد البحث عن الزوج بواسطة وسائل البحث المتاحة والمناسبة ثم يضرب له أجل ـ بحسب المصلحة ـ فإن مضى الأجل ولم يأت بدون عذر شرعي حكم عليه بالطلاق، ففي فتاوى ورسائل الشيخ: محمد بن إبراهيم ـ متحدثا عن الحكم بالطلاق على زوج غائب: وعليه نشعركم بأن البحث الذي جرى بحثه قاصر، فينبغي البحث عنه بواسطة الإذاعة والصحافة، وذلك بإعلان خلاصته: أن محسنا ـ المذكور ـ قد غاب عن زوجته ـ فلانة الساكنة في بلدة كذا ـ من مدة كذا، وأن محكمة المسارحة تطلب حضوره في خلال مدة شهر، وأنه إذا مضت المدة ولم يحضر أو يخبر بمانع شرعي يمنعه عن الحضور، فإن المحكمة ستجري اللازم على أن يكرر الإعلان عدة مرات، ومتى مضى الشهر ولم يأت عنه خبر وطالبت المرأة بالفسخ فعلى الحاكم إجراء ما يلزم، والله يتولاكم. انتهى.

وعليه، فإذا مضي الأجل ولم يحضر الزوج لغير مانع حكم عليه بالطلاق من طرف جماعة المسلمين أو المركز الإسلامي، ويكفي في صيغة التطليق ما يدل عليها مثل: حكمنا بطلاق فلانة من زوجها الغائب، لعدم نفقته عليها أو لتضررها بغيبته ـ مثلا ـ أو نحو ذلك، ولا يجوز لها الزواج من زوج آخر إلا بعد تمام عدتها، وتفصيل ذلك كما يلي:

ـ إن كانت تحيض: فعدتها ثلاث حيضات تخرج من عدتها بالطهر من الحيضة الثالثة بعد الحكم بالطلاق.

ـ إن كانت لا تحيض: فعدتها ثلاثة أشهر.

ـ إن كانت حاملا: فعدتها وضع الحمل كله.

وراجع في ذلك الفتوى رقم: 75455.

ولا تسقط نفقة تلك الزوجة عن زوجها أثناء غيابه ـ إن كانت غيبته بعد الدخول أو بعد تمكينها له من نفسها ـ قال ابن قدامة في المغني: وإن غاب الزوج بعد تمكينها ووجوب نفقتها عليه، لم تسقط عنه، بل تجب عليه في زمن غيبته، لأنها استحقت النفقة بالتمكين، ولم يوجد منها ما يسقطها، وإن غاب قبل تمكينها، فلا نفقة لها عليه لأنه لم يوجد الموجب لها. انتهى.

مع التنبيه على أنه لا يجوز للمسلمين التحاكم إلى المحاكم الوضعية إلا عند الضرورة لرفع الظلم وإحقاق الحق ، هذا ما لم توجد مراكز إسلامية ـ يمكنها القيام بذلك ـ كما تقدم فى الفتوى رقم: 7561.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني