الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من طلبت زوجا بلا عيب بقيت بدون زوج

السؤال

أفيدوني فقد تعبت وسئمت كل شيء، ففي البداية كنت لا أوفق على الخاطبين وكنت أدعو الله ليلا ونهارا أن يرزقني الزوج الصالح، وبعدها تعاملت في مصالح تخص العائلة مع شخص وجدت فيه الأدب والخلق بشهادة كل من يعرفونه بالأخلاق الحميدة وكنت أنكر عليه التدخين ـ فقط ـ وترك صلاة الجماعة، وفجأة تقدم لخطبتي فاحترت في أمري فالكل كانوا يلومونني، لأنني قلت أنني أفكر ـ مجرد تفكير ـ في رفضه، فكيف والكل يتمناه زوجا لابنته؟ واستخرت الله ووافقت وحلف ووعدني أن يترك التدخين ويواظب على الصلاة، فعقدنا القران بعد فترة قصيرة، واستخرت الله ـ أيضا ـ مرارا خوفا من حدوث أمر ما، وفعلا وجدته إن غضب شتم وغلط ولا أستبعد أنه يسب الدين، ووجدته يكذب علي في كل مرة بقوله أنه سوف يقلع عن التدخين، وناقشته في الأمر فواعد وعاهد وحلف وعزم على عدم العودة وأقر بالتوبة والاستغفار ـ فهو طيب القلب وكريم ـ وفي غير غضبه محترم وخلوق ويريد الصلاح والالتزام، ولكن لا أعلم أين الخلل؟ فأنا أدعو الله مرارا أن يهديه، لأنه لا يمكنني طلب الطلاق الآن وقد بقي على زواجي شهور معدودة وأن أعكر فرحة أهلي بي وأن أخسر ذاك القلب الطيب والأخلاق التي عرفته بها، فماذا أفعل؟ فأنا أشعر باختناق كلما تخيلته يدخن، ويزيد اختناقي كلما شتم وغلط، وأعود لأصفو عندما يشعرني بالتوبة، فهل سأظل عمري هكذا؟ لا أدري ماذا أفعل؟ فهل أصمد معه لعلي أكون سببا في صلاحه؟ أم أبتعد عنه من الآن قبل فوات الأوان؟ أخاف أن أمل من النصيحة وأرضى بالأمر الواقع.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن ما يفعله زوجك من ترك صلاة الجماعة والتدخين والسباب والشتم كلها مخالفات شرعية وبعضها من كبائر الذنوب، وقد بينا ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 56287، 126649، 117621، ومع ذلك، فإننا لا ننصحك بالتعجل في طلب الطلاق منه بسبب ما يصدر منه من مخالفات شرعية، بل عليك أن تصبري عليه وتبذلي جهدك في نصحه وتذكيره بالله سبحانه، خصوصا مع ما تذكرين من طيب قلبه ودماثة خلقه فعسى الله أن يكتب له الهداية والصلاح على يديك فتفوزين بالأجر العظيم والثواب الكبير من الله جل وعلا، واعلمي أن الخطأ لا يسلم منه أحد، والمعاصي يبتلى بها كل أحد، ولو أن كل امرأة طلبت الطلاق من زوجها بسبب بعض مخالفاته لما استقرت أسرة ولا دام زواج، فعليك أن تصبري وتصابري وتحتسبي عند الله سبحانه ذلك الصبر مع دوام النصح والتذكير بأسلوب لين رفيق، لكن إن استمر زوجك على ما هو عليه من التدخين والسباب والشتم، فلا حرج عليك ـ حينئذ ـ في طلب الطلاق منه ـ إن أردت ـ فقد سبق أن بينا في الفتويين رقم: 33153، ورقم: 33363، أن فسق الزوج أو إضراره بالزوجة بالسب ونحوه يبيح لها طلب الطلاق ـ إن هي أرادت.

أما ما تظنين به من أنه قد يقدم على سب الدين: فهذا لا يجوز، وهو من الظن السيء الذي نهت الشريعة عنه لأن من حق المسلم أن يظن به الخير، وسب الدين كفر صراح مخرج من الملة، ومن مات وقد سب الدين ولم يتب، فإنه من أهل النار خالد مخلد، فكيف يظن بالمسلم اختياره للكفر؟ لا شك أن هذا غير جائز، لمخالفته لقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}.

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه الترمذي وغيره: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث. صححه الألباني. وقوله ـ أيضا: لما نظر إلى الكعبة: مرحبا بك من بيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك، وللمؤمن أعظم حرمة عند الله منك، إن الله حرم منك واحدة وحرم من المؤمن ثلاثا: دمه وماله وأن يظن به ظن السوء. أخرجه البيهقي وغيره، وصححه الألباني.

فالواجب أن تستغفري الله من ذلك، لكن إن حدث هذا منه ووقع في سب الدين ـ والعياذ بالله ـ فقد كفر حينئذ بالله العظيم وارتد عن دين المسلمين، وراجعي حكم زوجة المرتد في الفتوى رقم: 70423.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني