السؤال
أنا متزوجة منذ أربع سنوات، وزوجي يصلي، ونحن نعرف أن من شروط الصلاة: النية ـ دون التلفظ بها وكنا نتناقش قبل فترة حول مسألة النية في الصلاة، والذي فهمت منه أنه يصلي وهو يفهم أن معنى عدم التلفظ: مجرد كونه قام للصلاة يعتبر قد نواها ـ أي أنه عندما يقوم ليتوضأ يكون في ذهنه أنه سيصلي فقط، ولكنه لا يمر في ذهنه قبل تكبيرة الإحرام أي شيء، فقمت بإفهامه أن عليه أن ينوي ـ أي يمر في ذهنه قبل تكبيرة الإحرام أنه يصلي الصلاة الفلانية ـ أي تعيين وقت الصلاة ـ وقد حاولت إقناعه بالألدلة وبالفتاوى حول هذا الموضوع وقد فهم أخيرا ما هو معنى النية بعد قراءته للفتاوى وسؤالي هو: هل يعتبر زوجي تاركا للصلاة طيلة هذه الفترة ـ أي منذ خمسة وعشرين عاما؟ وهل علينا عقد نكاح جديد؟ أفتوني، لأنني قلقة جدا حول هذا الموضوع وأفكر ليلا ونهارا، وهل أعيش معه في حرام؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنحب أن نطمئنك ـ أيتها الأخت الفاضلة ـ أن نكاحك صحيح ولا شيء فيه، ولا يلزم تجديده البتة، وليس زوجك تاركا للصلاة ـ إن شاء الله ـ فإنه إنما فعل ما فعل من ترك النية الواجبة ـ على تقدير كونه تاركا لها ـ لجهله بالحكم، وإن كان لا يخلو من نوع تقصير في تعلم ما يلزمه تعلمه فليتب وليستغفر الله تعالى من هذا.
وأما حكم المسألة: فاعلمي ـ أولا ـ أن تصور كون زوجك لا يأتي بالنية قبل الصلاة بالزمن اليسير بعيد جدا. وعلى كل، فلو سلمنا أن هذا هو الواقع، فإن العلماء مختلفون في وقت النية متى يكون، فشرط الشافعية كونه مقارنا للتكبير، وسهل الحنابلة وغيرهم في هذا، فجوزوا تقدم النية على العبادة بالزمن اليسير، وهذا القول هو الصحيح الذي لا يسع الناس غيره، وسهل بعض العلماء في هذا الأمر أكثر، فلم يشترط تقدم النية على العبادة بالزمن اليسير، بل جوز تقدمها عليها بالزمن الطويل بشرط أن لا يصرف نيته عنها، فيكفي عند هؤلاء أن ينوي الصلاة عند خروجه من بيته ـ مثلا ـ ويكون بذلك قد أتى بالواجب عليه ما لم يفسخ نيته قبل العبادة، فإنه يلزمه تجديدها، وهذا القول هو اختيار كثير من الحنابلة ـ منهم شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ جاء في الروض المربع مع حاشيته: وينوي مع التحريمة، لتكون النية مقارنة للعبادة، وله تقديمها ـ أي النية ـ عليها أي على تكبيرة الإحرام بزمن يسير عرفا كبقية الشروط، وظاهره ولو أتى بشيء من المبطلات للصلاة غير ما ذكره ـ كالكلام واستدبار القبلة ـ والعرف هو ما لا تفوت به الموالاة في الوضوء.
وقيل: يجوز بزمن كثير ما لم يفسخ النية، اختاره الآمدي والشيخ وغيرهما.
ونقل أبو طالب وغيره: إذا خرج من بيته يريد الصلاة فهو نية، أتراه كبر وهو لا ينوي الصلاة؟! واحتج به الشيخ وغيره، على أن النية تتبع العلم، فمن علم ما يريد فعله قصده ضرورة. انتهى.
وقال ابن قاسم في موضع آخر: يجوز تقديم النية على الطهارة، بزمن يسير، كما يجوز في الصلاة، قال في الإنصاف: بلا نزاع، ولا يجوز بزمن طويل على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب، وقيل: يجوز مع ذكرها وبقاء حكمها، بشرط أن لا يقطعها.
قال القاضي: إذا قدمها واستصحب ذكرها حتى شرع في الطهارة جاز.
وقال أبو الحسين: يجوز ما لم يعرض ما يقطعها من اشتغال بعمل ونحوه. انتهى.
وهذا القول لا حرج في الأخذ به واعتماده إذا كان الأمر قد وقع ومضى وإن كان الأحوط خلافه، وأن يحرص المكلف على الإتيان بالنية في زمنها المعتبر عند أكثر العلماء وهو عند أول العبادة أو قبلها بالزمن اليسير عرفا، وقد بينا في الفتوى رقم: 125010، أنه يجوز الأخذ بالقول المرجوح إذا كان قولا معتبرا إذا كان الأمر قد وقع بالفعل.
وعليه؛ فلا يلزم زوجك شيء فيما قد مضى، ولكن عليه فيما يستقبل أن يأتي بالنية في وقتها الذي بيناه لتبرأ ذمته بيقين.
وأما تعيين نية الصلاة: فاشتراط ذلك هو مذهب الجمهور، وذهب بعض العلماء إلى أن التعيين لا يشترط، وإنما يكفي أن ينوي فريضة الوقت، وهو ما رجحه الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ وهو قول وجيه جدا وإن كان الأحوط الحرص على تعيين الصلاة المنوية خروجا من الخلاف، وراجعي للفائدة في كيفية نية الصلاة الفتوى رقم: 119040.
والله أعلم.