الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصالح كثيرة تدعو لاستمرار العشرة بين الزوجين مع ضعف الحب

السؤال

قبل أن أطرح سؤالي أرجو من فضيلتكم سعة الصدر : إذا تزوج رجل على زوجته وهو يعدل في النفقة والمبيت، ولكن الزوجة الأولى متضررة ومنهارة نفسيا ـ ليس لمجرد زواجه عليها فهي لا تعترض على أحكام الله وتعرف أن الزواج بأكثر من امرأة مباح شرعا لما فيه من الفوائد سواء للرجال أو للنساء، ولكنها متضررة ـ لأن زوجها وإن كان يعدل في النفقة والمبيت، إلا أن العلاقة بينهم أصبحت فاترة لأنه يكتفي في المشاعر من زوجته الثانية، والزوجة الأولى منهارة نفسيا، لأنها لم تعد تحس بإقبال عليها كما كانت تحس من قبل وهى حساسة جدا، فبالنسبة لها ليس كل شيء النفقة والمبيت، فمن حقها ـ أيضا ـ أن تشعر بالسعادة مع زوجها ـ السعادة المعنوية والإشباع النفسي في المشاعر وليس كل شيء حق الفراش ـ هو يعطيها حقها، ولكن كأنه يقول لها: سأتقبلك على مضض، لخوفي من عذاب النارـ وهذا الشعور يؤذيها، فهل لها الحق أن تطلب الطلاق أو حتى الخلع؟ أم إذا فعلت ذلك تكون آثمة، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة طلبت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة؟.
فهل هذا الشعور الذي تحسه ليس من البأس؟ وهل لا قيمة لنفسية المرأة وما تشعر به طالما الزوج يعدل في النفقة والمبيت؟ فقد راعى الرسول صلى الله عليه وسلم نفسية المرأة التي كانت تريد أن تنفصل عن زوجها ليس لعيب في خلقه، ولكن، لأنها غير متقبله لشكله، ففي هذه الحالة ـ أيضا ـ الزوجة لا تشتكي أنه لا يبيت عندها أو لا ينفق عليها أو لا يعطيها حقها في الفراش، ولكنها تشتكي غياب المشاعر والحب، ولا شك أن هذه الأشياء عند المرأة أحيانا تكون أهم من الأشياء المادية الملموسة، فالأشياء المحسوسة عندها أهم، فهي منهارة نفسيا وتشعر بإهانة في كرامتها وأنوثتها، فهل إذا كانت نفسية المرأة غير مرتاحة يحل لها طلب الطلاق أو حتى الخلع؟ أم أنها في هذه الحالة تدخل في الوعيد الذي تكلم عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق أو في حديث: المختلعات هن المنافقات؟.
آسفة على الإطالة وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا ننصح هذه السائلة بطلب الطلاق، لما في الطلاق من عواقب سيئة تطول جميع الأطراف، خصوصا الأولاد وما دام زوجك يتقي الله سبحانه ويوفيك حقوقك ـ من النفقة والقسم والمبيت ونحو ذلك ـ فلتصبري ـ إذاً ـ على ما تجدينه من مشاعر النفور وما تدعينه من تعب نفسي، ولتعلمي أن مثل هذه الأمور قد تكون مجرد أوهام من كيد الشيطان وسووسته، حتى وإن افترضنا ضعف الناحية العاطفية بينكما، فهناك مصالح أخرى تدعو إلى دوام العشرة مع ضعف الحب، وقد ندب الله سبحانه الرجال إلى إمساك أزواجهم وإن كرهوهن، فقال سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}.

قال ابن العربي عند تفسيره لهذه الآية: المعنى: إن وجد الرجل في زوجته كراهية، وعنها رغبة، ومنها نفرة من غير فاحشة ولا نشوز، فليصبر على أذاها وقلة إنصافها، فربما كان ذلك خيرا له. انتهى.

وقال عمر لامرأة سألها زوجها، هل تبغضه؟ فقالت: نعم: فقال لها عمر: فلتكذب إحداكن ولتجمل فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام. أورده في كنز العمال.

وكثير من النساء يسول لهن الشيطان طلب الطلاق لمثل هذه الأمور ثم لا يلبثن ـ إذا انقشع غبار المحنة ـ أن يندمن على الطلاق ويتحسرن على الفراق وتتمنى الواحدة منهن أن لو رجعت إلى زوجها، فاتقي الله ـ أيتها السائلة ـ في نفسك وزوجك واعلمي أن من نعم الله عليك أن منَّ عليك بزوج يخاف الله ويتقيه ولا يتعدى حدوده، وسلي الله سبحانه أن يؤلف بينك وبين زوجك وأكثري من الدعاء والتضرع، فإن الله سبحانه كريم يجيب دعوة المضطر إذا دعاه.

فإن بذلت الأسباب ولم تهدأ نفسك، بل استمرت المعاناة وخشيت أن يؤدي بك ذلك إلى التقصير في حقه، فلا حرج عليك ـ حينئذ ـ في طلب الطلاق من زوجك، فإن رفض فاطلبي منه الخلع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني