الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل حول التعامل مع حائز المال الحرام

السؤال

ماذا علي أن أفعل إذا جاءتني هدية من مال حرام؟ هل أقبلها أم أرفضها؟ وإذا كنت لا أعلم في وقتها وعلمت بعدها؛ وماذا عن إذا أتي لي بأكل من مال حرام؟ هل يجوز لي أكله؟ وإذا اقترضت من الشخص بعض المال وبعد اقتراضي منه عرفت أن ماله مال حرام ماذا أفعل به؟ مع شكري الخالص على القائمين على الموقع.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فينبغي أن تعلم أولاً أن الأصل فيما بيد الإنسان كونه ملكه، وأن معاملة المسلم المستور جائزة دون التفتيش والتنقيب عن أصل ماله ومن أين اكتسبه، لكن من علم حال مال وأنه من حرام فينظر حينئذ في سبب الحرمة، فما أخذ ظلماً بغير رضى صاحبه كالمغصوب والمسروق، ووصل إلى المرء على سبيل الهدية ونحوها فيلزمه رده إلى صاحبه إن علم عينه لا إلى الواهب، فإن جهل عينه وأيس من الوصول إليه تصدق به عنه، وكذلك الحكم فيمن اقترض منه شيئاً إن استطاع دفعه إلى أصحابه دون حدوث ضرر عليه في ذلك لزمه لما فيه من تخليص حق الغير من يد المتسلط عليه بغير حق، ولا حق لحائز المال الحرام عليه، وإن لم يستطع ذلك رد القرض إلى المقرض.

وما أخذ برضى صاحبه كالفوائد الربوية ونحوها، فإن علم كونه عين المال الحرام لزم اجتنابه، سواء أكان هبة أو قرضاً أم غير ذلك، فإن لم يعلم كونه عين المال الحرام بأن كان لصاحبه مال غيره واختلط الحرام بالحلال فلا حرج في معاملته فيما لديه وقبول هبته والاقتراض منه، ولو علم بعد أن أتلفه فإنه لا يلزمه بذل عوضه ولا يلحقه إثم لعذره بجهل حاله، وضمان هذا المال على حائزه الذي دفعه إلى غيره الجاهل بحقيقته، ولا يلزم عند التعامل مع الغير البحث والتفتيش عن مصدر المال، بل إن البحث والتفتيش عن ذلك من التنطع المذموم والابتداع في الدين، فما علم المسلم أنه حرام اجتنبه وما لم يعلمه فإنه لا يبحث ولا يفتش عن مصدره، بل يبني الأمر على الأصل وهو حل المال.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ما في الوجود من الأموال المغصوبة والمقبوضة بعقود لا تباح بالقبض إن عرفه المسلم اجتنبه، فمن علمت أنه سرق مالاً أو خانه في أمانته أو غصبه فأخذه من المغصوب قهراً بغير حق لم يجز لي أن آخذه منه لا بطريق الهبة ولا بطريق المعاوضة ولا وفاء عن أجرة ولا ثمن مبيع ولا وفاء عن قرض، فإن هذا عين مال ذلك المظلوم، وإن كان مجهول الحال فالمجهول كالمعدوم والأصل فيما بيد المسلم أن يكون ملكاً له إن ادعى أنه ملكه، فإذا لم أعلم حال ذلك المال الذي بيده بنيت الأمر على الأصل، ثم إن كان ذلك الدرهم في نفس الأمر قد غصبه هو ولم أعلم أنا كنت جاهلاً بذلك، والمجهول كالمعدوم، لكن إن كان ذلك الرجل معروفاً بأن في ماله حراماً ترك معاملته ورعا، وإن كان أكثر ماله حراماً ففيه نزاع بين العلماء، وأما المسلم المستور فلا شبهة في معاملته أصلاً، ومن ترك معاملته ورعا كان قد ابتدع في الدين بدعة ما أنزل الله بها من سلطان. انتهى بتصرف يسير من مجموع الفتاوى، وللمزيد حول حكم معاملة حائز المال الحرام انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7707، 99692، 1981، 38776.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني