الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالبغض في الله أن تبغض المرء لأجل مخالفته لأمر الله جل وعلا، لا لشيء آخر، والحب في الله أن تحب المرء لكونه موافقا لأمر الله جل وعلا لا لشيء آخر.
وانظر الفتويين: 36991، 66090.
والشفقة على الكافر وتمني هدايته لا تنافي بغضه في الله، كحال الرسول صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب، فقد كان يتمنى هدايته ويحرص عليها حتى عند موته، وفيه نزل قوله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. {القصص: 56}.
والحب الطبيعي لا يتنافى مع البغض في الله، ولا غرابة في اجتماع الحب من وجه والبغض من وجه آخر، فالإنسان يحب الدواء لمنفعته ويكرهه لمرارته، والمسلم يحب المسلم الظالم لإيمانه ويكرهه لظلمه وفسقه، ويبغض الكافر لكفره ويحبه لقرابته.
وراجع أقسام المحبة في الفتوى رقم: 27513، والفتوى رقم: 131443.
ومما يجب علينا إثبات صفة المحبة لله تعالى على الوجه اللائق به جل وعلا دون الخوض في كيفيتها، شأنها شأن سائر صفات الله سبحانه ، فأهل السنة والجماعة يثبتون لله سبحانه جميع ما وصف به نفسه في كتابه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. وانظر الفتويين: 50216، 28674.
وأما إعانته سبحانه لأوليائه فهي من ثمار محبته لهم وليس ذات المحبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَقد تَأَول الْجَهْمِية وَمن اتبعهم من أهل الْكَلَام محبَّة الله لعَبْدِهِ على أَنَّهَا الْإِحْسَان إِلَيْهِ فَتكون من الْأَفْعَال. وَطَائِفَة أخري من الصفاتية قَالُوا هِيَ إِرَادَة الْإِحْسَان، وَرُبمَا قَالَ كلا من الْقَوْلَيْنِ بعض المنتسبين إِلَى السّنة من أَصْحَاب الإِمَام أَحْمد وَغَيرهم.
وَسلف الْأمة وأئمة السّنة على إِقْرَار الْمحبَّة على مَا هِيَ عَلَيْهِ
وقال ابن القيم رحمه الله: محبة الرب لأوليائه وأنبيائه ورسله صفة زائدة على رحمته وإحسانه وعطائه فإن ذلك أثر المحبة وموجبها، فإنه لما أحبهم كان نصيبهم من رحمته وإحسانه وبره أتم نصيب. والجهمية المعطلة عكس هؤلاء ...
... وجميع طرق الأدلة عقلا ونقلا وفطرة وقياسا واعتبارا وذوقا ووجدا تدل على إثبات محبة العبد لربه والرب لعبده. (من مدارج السالكين مع الحذف).
وإذا أثبتنا المحبة وغيرها من الصفات الواردة في الكتاب والسنة لله تعالى على الوجه اللائق به فليس في ذلك تشبيه.
قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الخُزَاعِيُّ شَيْخُ البُخَارِيِّ : مَنْ شَبَّهَ اللهُ بِخَلْقِهِ كَفَرَ ، وَمَن جَحَدَ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ ، وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلاَ رَسُولهُ تَشْبِيهٌ، فَمَنْ أَثْبَتَ مَا وَرَدَتْ بِهِ الآثَارُ الصَّرِيحَةُ وَالأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَلَى الوَجْهِ الذِي يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ، وَنَفَى عَنِ اللهِ النَّقَائِصَ فَقَدْ سَلَكَ سَبيلَ الهُدَى .
والله أعلم.