السؤال
سأصف لك صورة وقل لي حكم النية فيها: أكون في بيتي فأسمع الأذان فأقوم لقضاء الحاجة ثم الوضوء ثم النزول إلى المسجد، ولكنني أثناء قضاء الحاجة والاستنجاء أكون سارحا وأشرع في الوضوء بطريقة آلية ولا أفيق من السرحان إلا في منتصف الوضوء، فهل أعيده، مع أنني لم أحول نيتي، ولكنني أسرح بين وقت النية وبداية الوضوء؟ وأيضا أكون جالسا في المسجد منتظرا الصلاة وأثناء بدء الصلاة أكون سارحا فأكبر بطريقة آلية وأنتبه بعدها، فهل أقطع صلاتي؟ وهل السرحان وانشغال الذهن يقطع النية؟ وهذا يحدث كثيرا، وما معنى إعمال الظاهر؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنقول ابتداء إن النية: هي عزم القلب على فعل الشيء ـ وقد لا يتصور أن شخصا فعل أفعال الوضوء على وجهها المشروع إلا وهو ينوي الوضوء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وذلك أن النية تتبع العلم فمتى علم العبد ما يفعل كان قد نواه ضرورة، فلا يتصور مع وجود العلم به أن لا تحصل نية.اهـ.
وقال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ في شرح الأربعين النووية: فيستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات ـ أنه ما من عمل إلا وله نية، لأن كل إنسان عاقل مختار لا يمكن أن يعمل عملا بلا نية حتى قال بعض العلماء: لو كلفنا الله عملا بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق.
ويتفرع من هذه الفائدة الرد على الموسوسين الذين يعملون الأعمال عدة مرات ثم يقول لهم الشيطان: إنكم لم تنووا، فإننا نقول لهم: لا، لا يمكن أبدا أن تعملوا عملا إلا بنية فخففوا على أنفسكم ودعوا هذه الوساوس. اهـ.
فإذا كنت تعلم ما تقوم به من وضوء، أو صلاة فقد نويت، ولا يضرك شرود الذهن ما لم تنو قطع العبادة، لأن استصحاب ذكر النية ليس شرطا، وإنما الشرط استصحاب حكمها بمعنى أن لا ينوي قطعها كما فصلناه في الفتاوى التالية أرقامها: 100263 120085، 125676، عن عدم بطلان نية الوضوء بنسيانها أثناءه ولكن إذا بلغت درجة شرود الذهن إلى درجة أنك لا تعلم ما تقوم به فإنك لم تنو هنا لعدم العلم، والنية تتبع العلم كما ذكرنا.
وكذا الصلاة فما دمت قد خرجت إلى المسجد لأداء الصلاة فقد تحققت النية، قال المرداوي في الإنصاف: نَقَلَ أبو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ إذَا خَرَجَ من بَيْتِهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَهُوَ نِيَّةٌ، أَتُرَاهُ كَبَّرَ وهو لَا يَنْوِي الصَّلَاةَ؟ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ. اهـ.
ومثله قول ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى: النيَّة سهلة، وتركها هو الشَّاقُّ فإنه إذا توضَّأ وخرج من بيته إلى الصلاة، فإنه بلا شَكٍّ قد نوى، فالذي جاء به إلى المسجد وجعله يقف في الصَّف ويكبِّر هو نيَّة الصلاة. اهـ.
وإذا تحققت النية بذلك لم يضر الذهول عنها، لأنه لا يشترط استدامة ذكرها ـ كما ذكرنا ـ وإنما يشترط استصحاب حكمها بأن لا ينوي قطعها.
وأما معنى إعمال الظاهر: فيقصد به أحيانا بناء الحكم على ما ظهر من الأعمال والأحوال لا على ما في الباطن والنيات، فإذا رأينا شخصا يصلي حكمنا له بالإسلام إعمالا للظاهر وأحيانا يقصد بإعمال الظاهر ما يذكره الأصوليون من أن اللفظ الظاهر ما دل على معنى ويحتمل غيره احتمالاً مرجوحاً فيعمل بالمعنى الراجح إعمالا للظاهر.
والله أعلم.