الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ريب في خطأ هؤلاء القوم في كثير مما ذكر عنهم، أو أكثره, فإنه لا ينبغي ترك الجماعة في المسجد لأجل مسألة من مسائل الخلاف بين العلماء كدعاء القنوت, ولو فرض كون أهل هذا المسجد يفعلون ما هو بدعة محققة، فإن الواجب مناصحتهم وأن يبين لهم الحق بلين ورفق, ولبيان حكم الصلاة في مسجد يشتمل على بعض البدع تراجع الفتوى رقم: 141205
وإذا كانوا يصلون في مصلاهم جماعة، فإن ذمتهم تبرأ من الواجب بذلك.
وأما الجمعة: فإن شأنها شديد, وترك الجمعة للأسباب المذكورة لا يجوز بحال, بل قد ورد الوعيد الشديد لمن تخلف عن الجمعة، وانظر الفتوى رقم: 139667.
ولا يجوز لهم أن ينشئوا جمعة ثانية إذا كان المسجد يتسع لهم على مذهب جمهور أهل العلم، فإن تعدد الجمعة في البلد الواحد لا يجوز إلا لحاجة, وليس ما ذكرته مسوغا لإقامة جمعة ثانية, بل الواجب شهود الجمعة مع النهي عن البدعة إن أمكن, فإن لم ينته من يأتي بالبدعة فإن بدعته لا تضر إلى نفسه, وانظر الفتوى رقم: 137392، في بيان حكم تعدد الجمعة.
وأما صيامهم: وفطرهم مع السعودية: فإن أمر الرؤية لا يرتبط ببلد معين, وإنما اختلف العلماء فيما إذا رؤي الهلال ببلد هل يلزم جميع الناس الصوم والفطر كما هو مذهب الجمهور؟ أم أن لأهل كل بلد رؤيتهم كما ذهب إليه كثير من العلماء؟ والمسألة من مسائل الخلاف السائغ, فإن كانوا يتبنون قولا من الأقوال التي قيلت في المسألة فلا إنكار عليهم، وأما إناطة الصوم والفطر برؤية الهلال في بلد معين فلا قائل به من العلماء، وانظر الفتويين رقم: 137561ورقم: 143909
وأما مسألة الإسبال: فإن كثيرا من العلماء، بل أكثرهم يرون أنه لا يكون محرما إلا إذا كان خيلاء, وما لم يكن خيلاء فهو مكروه غير محرم, ونحن وإن كنا نفتي بأن الإسبال محرم بكل حال، لكن المسألة من مسائل الخلاف السائغ , وانظر الفتوى رقم: 26639.
وأما تقصير اللحية: فانظر لبيان الحد الذي أجازه بعض العلماء في ذلك الفتوى رقم: 141759
فإن كانوا يقولون بما يقول به بعض العلماء فلا إنكار عليهم.
وأما إنكار السحر: فخطأ عظيم يجب عليهم أن يتوبوا إلى الله تعالى منه, فقد دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع العلماء المعتبرين على ثبوت السحر وأن له حقيقة وأنه يؤثر في المسحور ـ بإذن الله.
وأما إنكار الإجماع والقياس: فخطأ كذلك, وإنكار ما أجمعت الأمة عليه حتى صار معلوما من الدين بالضرورة كالصلوات الخمس ووجوب صوم رمضان وتحريم الخمر ونحو ذلك ردة ـ والعياذ بالله ـ وأما الإجماع الظني الذي طريقه البحث والنظر فإنكاره خطأ بلا شك، وكذا إنكار القياس فإن السلف متفقون على استعماله ودلت عليه نصوص الشريعة, وتفصيل هذا له موضع آخر, وانظر كتاب إعلام الموقعين لابن القيم ـ رحمه الله ـ فقد أشبع هذه المسألة بيانا.
وأما جماعة التبليغ: فإنهم على خير عظيم ولهم مقاصد حسنة في الجملة وعندهم من الهمة والاجتهاد في الدعوة والأثر العظيم في نفع الناس ما لا يمكن جحده, وإن وجدت بعض الأخطاء فالواجب السعي في معالجتها ومناصحة من يقع فيها لا أن تنصب العداوة بين أبناء الأمة، وترك الصلاة خلف من ينتمي إليهم لمجرد انتمائه إليهم دون أن يعرف تلبسه بفسق لا مسوغ له البتة, وراجع الفتوى رقم: 106973
وبناء على ما مر تعلم ضرورة مناصحة هؤلاء القوم بلين ورفق فإننا نظن أنهم حريصون على الخير, فيذكر لهم كلام أهل العلم وتبين لهم المسائل التي أخطأوا فيها بالحكمة والموعظة الحسنة, نسأل الله لنا ولهم الهداية إلى أقوم طريق.
والله أعلم.