السؤال
سمعت الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ يقول: إنّ توسّط الإمام في الصلاة هو السّنّة، لكنه لم يرد نصا في ذلك فحبذا لو ذكرتم لي دليلا على ذلك، وقد سئل إمام مسجدنا: هل نبدأ الصّفّ من اليمين أم من الوسط؟ فأجاب: كلّ ذلك صحيح، فأصبح الناس على فريقين وقطّعت الصّفوف تقطيعا والله المستعان.فبماذا ننصح هؤلاء؟ ثمّ إذا بدأ بعضهم الصّفّ من اليمين وشرعوا في الصلاة، فهل يجوز لغيرهم أن يخالفهم ويذهب إلى وسط الصّفّ بحجة أنّهم مخطئون؟ أم أنّ عليه أن يذهب إلى اليمين معهم حتّى لا يقطع الصّفّ؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن السنة أن يوسط المأمومون الإمام، كما بينا ذلك بدليله مع كلام الفقهاء فيه في الفتوى رقم: 2553. وهذا هو الذي جرى عليه عمل المسلمين سلفا عن خلف, قال الشيخ عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ في شرح سنن أبي داود مبينا الحكمة في توسط الإمام الصف: لأنه إذا توسط سمعه من على اليمين ومن على الشمال، وإذا كان في الطرف فإنه لا يسمعه من كان في الجهة المقابلة، وكذلك إذا توسط الإمام، فإنه يقتدي به من يكون حوله من جهة اليمين وجهة الشمال، بخلاف ما إذا كان في الطرف فإنه لا يشاهده ولا يراه إلا من كان في ذلك الطرف، وأورد أبو داود ـ رحمه الله ـ حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: وسطوا الإمام، وسدوا الخلل ـ قوله: وسطوا الإمام ـ أي: اجعلوه في الوسط عند الاصطفاف، وهذا الحديث فيه ضعف إذ فيه مجهولان، لكن معناه صحيح، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يصلي لم يكن يصلي في الطرف وإنما كان يصلي في الوسط، وكذلك المساجد عندما تبنى فإن محاريبها تكون في وسطها، ولا تكون في أطرافها. اهـ.
ولعل إمامكم عنى بقوله: كل ذلك صحيح ـ أن الصلاة تصح إذا لم يكن الإمام وسط الصف, وهذا صحيح لا إشكال فيه، لأن توسط الإمام سنة مستحبة وليس شرطا في صحة الاقتداء، بل لو وقف كل المأمومين عن يمينه صح الاقتداء، كما قال صاحب الزاد: يقف المأمومون خلف الإمام ويصح معه عن يمينه، أو عن جانبيه لا قدامه ولا عن يساره فقط. اهـ.
وقولك: إذا بدأ بعضهم الصّفّ من اليمين إلخ ـ إن كنت تعني أن المأمومين في الصف الأول خلف الإمام أكثرهم يكون لجهة اليمين فإنه يشرع لمن جاء أن يقف خلف الإمام، أو يملأ جهة اليسار، بل وقوفه خلف الإمام وجهة اليسار أفضل في هذه الحال حتى يتساوى الصف، ولأنه أقرب إلى الإمام، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى: من الغلط أن نكمل الصف الأيمن والأيسر ما فيه شيء، والأيمن أفضل عند التساوي، أو التقارب، وأما إذا كان الأيمن بعيداً فالقريب من الإمام في اليسار أفضل. اهـ.
وإن كنت تعني أن المصلين في الصفوف الأخيرة يبدؤون الصف من جهة اليمين فإن المشروع لمن جاء بعدهم أن يجذبهم إلى الجهة المسامتة لخلف الإمام إن أمكن ذلك كأن يكون عددهم قليلا وإلا فليقف معهم إكمالا للصف، قال ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى: المشروع أن يبدأ الصف من وراء الإمام، لأنه كلما كان الإنسان أقرب إلى الإمام كان أفضل فإذا وجدنا شخصين في أطراف الصفوف جذبناهما إلى وسط الصف ليدنوا من الإمام، ومن المعلوم أنك إذا وجدت اثنين في طرف الصف ووجدت وسط الصف خالياً أنك لو وقفت وسط الصف صرت منفرداً لطول المسافة بينك وبين الاثنين، لكن اجذبهما إلى وسط الصف وتصفون جميعاً. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 46206.
والمهم أن لا ينشئوا صفا آخر حتى يكتمل الصف الأول، لقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ. رواه النسائي وأبو داوود، واللفظ له.
والله أعلم.