الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عق والديه فامتنع عن الزواج خشية أن يجازيه أبناؤه بالمثل فما حكمه

السؤال

أنا شاب متمسك بديني تمسكا لا بديل عنه وأجتهد كل الجهد في بلوغ الهمة العالية التي لم تفارقني حتى منذ أن كنت صغيرا إلى يومنا هذا ولا زلت على هذا الدرب من الهمة العالية وإن كنت في بعض الأحيان قد يتخللني الزلل والخطأ والعمد والنسيان إلا أنني أتوب إلى الله مرارا ومرارا وكأنني في حرب تدوم ولا تنقطع مع الدنيا والنفس والهوى والشيطان والخلق، هذا وأحسب نفسي كذلك ولا أزكي على الله أحدا ولا أحد يعلم بحالي ولا مالي وسري وعلانيتي إلا الله وفي الحقيقة رغم هذا الاجتهاد الهائل في الدين والعبادة والإخلاص فيهما إلا أنني أرى نفسي لم أفلح قط في أمر واحد في الدين وهو إرضاء الوالدين، لأن مزاجهما صعب ودائما ما يتسببان لي في السخط والعقوق حتى أرى سمات الغضب في وجه كل منهما والدعاء بالويل على لسان أحدهما وهذا مع العلم أنه ليس هناك مبرر ولا دليل يمكن الاستدلال به في سبب هذا الغضب ولا ذاك الدعاء غير النقمة على الدين والانتقام ممن شرح الله صدره للإسلام وصار هدية من الله ومنة لوالديه ليهتدوا بهديه، ولكنهم أعرضوا وأبوا و تكبروا وتسببوا له في العقوق الذي نهيت عنه وصرت في مثل هذا الحال لا أجد لنفسي وازعا إلا أن أفقد الصبر عليهما وينشب نزاع إلى حد أنني أمتنع عن الزواج طول الحياة، لأنني صرت أخشى أن يرزقني الله بأبناء يكررون نفس الأمر معي كما كنت معهما، وهذا وارد في نص حديث قدسي لموسى عليه السلام أن من يعق والديه في الدنيا فإن الله يرزقه من يعقه من أبنائه, إلا أنني لا أعلم ما الذي فعلت في أمرهما حتى يثار كل هذا السخط وأكون منسوبا للعقوق ولهذا امتنعت عن الزواج، لأنني لست بحاجة إلى مزيد من المتاعب من الأبناء الذين يأتون من بعدي ويعدون نفس الأمر معي إلا أن يكون الله أعلم بما في نفسي فيعصمني من ذلك، أو يحاسبني به، أريد فتواكم عن هذا الأمر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد أحسنت بحرصك على التمسك بالدين، ونسأل الله تعالى أن يوفقك إلى الثبات عليه وأن يرزقك الجنان ويقيك النيران، ولكل عابد شرة وفترة، والقلب يتقلب والمؤمن يذنب ويتوب، وكلما أذنب فعليه أن يتوب ولا يقنط أبدا فرحمة الله واسعة، وراجع الفتويين رقم: 1909ورقم: 18661.

وهنالك وسائل تعين المرء على الاستقامة والثبات على الدين ينبغي للمسلم تعلمها والحرص عليها وهي مبينة ببعض الفتاوى نحيلك منها على الرقمين التاليين: 1208 12744.

وأما بالنسبة لإرضاء الوالدين والبعد عن سخطهما فهو من أهم المهمات وطريق لإرضاء رب الأرض والسماوات واتقاء سخطه وغضبه، روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضى الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد.

ومهما أساء الوالدان إلى الولد فيظل برهما واجبا عليه ويحرم عليه عقوقهما، ألم تر كيف أن الله تعالى أوجب برهما حال كفرهما ومع حرصهما على جر ولدهما إلى الكفر، وتقصيرهما لا يسوغ عقوقهما ولمزيد الفائدة راجع الفتويين رقم: 11550ورقم: 27021.

فالمهم أن لا يصدر منك أي إساءة إليهما، وإذا حدث من أي منهما ما يستفزك فاترك مجلسهما حتى لا تسمع ما يثير غضبك وتفعل معهما ما فيه عقوق لهما وأما التمسك بالدين والاستقامة على طاعة رب العالمين فليس محلا للمساومة، أو المجاملة لأي أحد، ولكن ينبغي لمن رزقه الله الخير أن يتحرى الحكمة في دعوته وفي التزامه وأن يكون رفيقا، قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل: }.

وفي صحيح مسلم من حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف وما لا يعطى على ما سواه.

ولا شك أن العقوق عواقبه وخيمة، وقد يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، روى الحاكم في المستدرك عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا البغي والعقوق. وصححه الألباني في صحيح الجامع والسلسلة الصحيحة.

وقد يكون الجزاء فيه من جنس العمل، ولكن هذا ينبغي أن يكون دافعا إلى التوبة والحذر من العود للعقوق مرة أخرى، ولا ينبغي أن يكون دافعا للحذر من الزواج خشية المجازاة بالمثل، فالزواج من الخير الذي ينبغي للمسلم أن يبادر إليه وقد يكون واجبا على المسلم وذلك فيما إذا كان قادرا على مؤنته ويخشى على نفسه الفتنة، وراجع الفتوى رقم: 3011.

فننصحك بالإقبال على التوبة وإرضاء والديك والحرص على الزواج ولا تستجب للخواطر والوساوس الشيطانية.

وأما بالنسبة لأثر موسى عليه السلام هذا: فقد ذكره الذهبي في كتابه الكبائر ونسبه لوهب بن منبه والمعنى الذي تضمنه داخل في قاعدة: الجزاء من جنس العمل وللفائدة راجع الفتوى رقم: 113446.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني