الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علق تحريم امرأته على عدم إخباره بكل ما يمس زواجهما

السؤال

زوجي قال لي أنت حرام علي إن لم تخبريني عن كل ما يمس زواجنا منذ زواجنا وأخبرته بنصف الحقيقة وأخفيت عنه بعض الأشياء التي كانت ستجلب الشك إلى حياتنا الحالية، علماً بأنني أعيش معه الآن بما يرضي الله وقد قال بأنه لم يكن ينوي الطلاق ولم يكن يفكر في شيء معين سوى البحث عن الحقيقة، وقد تم تطليقي منه مرتين بسبب مشاكل أسرية من قبل، فماذا علي أن أفعل؟ وهل أخبره بالحقيقة وأفقد استقراري الأسري، أو قد يقع الطلاق بيننا للمرة الأخيرة؟ أم أكتفي بذكر نصف الحقيقة وإن كان يظنني قد قلت كل الحقيقة، مع العلم بأنني حامل في شهري السادس؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فحاصل ما وقع هنا هو أن زوجك قد علق تحريمك على عدم إخبارك إياه بكل الحقيقة وقد ذكرت أنك لم تحققي إلى الآن ما أراد، فاليمين إذاً ما زالت منعقدة، لكن بما أنها مطلقة أي غير مؤقتة بوقت معين فإن الحنث فيها لا يقع إلا بالموت إذا لم تكن له هو نية تفيد إطلاقه ولم توجد قرينة تدل على قصد الاستعجال بالإخبار، ففي صحيح البخاري في قصة الحديبية أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست كنت تحدثنا أنا نأتي البيت ونطوف به؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بلى، فأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قال: لا، قال: فإنك آتيه مُطوف به.

قال الحافظ ابن حجر وهو يعدد فوائد هذا الجزء من الحديث: وأن من حلف على فعل شيء ولم يذكر مدة معينة لم يحنث حتى تنقضي أيام حياته. انتهى.

وقال ابن قدامة في المغني وهو يتكلم عن اليمين: وإن كانت على فعل شيء فلم يفعله وكان يمينه مؤقتة بلفظه أو نيته، أو قرينة حاله ففات الوقت حنث وكفر، وإن كانت مطلقة لم يحنث إلا بفوات وقت الإمكان، لأنه ما دام في الوقت والفعل ممكن فيحتمل أن يفعل فلا يحنث ولهذا قال عمرُ للنبي صلى الله عليه وسلم: ألم تخبرنا أنا نأتي البيت ونطوف به؟ قال: فأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قال: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به ـ وقد قال الله تعالى: قل بلى وربي لتبعثن ـ وهو حق ولم يأت بعد. انتهى.

وبناء على هذا، يمكنك عدم إخباره بالحقيقة كاملة مدة حياتك ولا يحنث زوجك بذلك، ولا يضر كونه يظن أنك قد أخبرته بكل الحقيقة، لكن إن كان ينوي أنك إن لم تخبريه في فترة محددة بالحقيقة كهذا الشهر مثلاً، أو هذا الأسبوع، أو وجدت قرينة تدل على قصد الاستعجال فانقضت الفترة ولم تخبريه، أو مضى من الوقت ما يعرف بالقرينة أن يريد إخبارك قبله فقد وقع الحنث وإذا لم يكن يقصد الطلاق بالتحريم الذي علقه فعليه كفارة يمين وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 69490.

وننبه إلى تحري الزوجين الحكمة والعقل في حل مشاكلهما والحذر من التعجل إلى ما قد تكون عاقبته الندم في الغالب الأعم، فالزواج آية عظيمة وميثاق غليظ فلا ينبغي أن يعرض لأسباب الوهن، قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}.

وقال تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:21}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني