الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنا ننصحك بإبعاد هذه المخاوف والوساوس عن نفسك. وتذكر أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن جميع الأحداث الحاصلة في الكون حصلت بقضاء الله وقدره، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ{القمر:49} وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {التغابن: 11}
وفي الحديث: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. رواه مسلم. وفي صحيح مسلم أيضا عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في إجابته عن الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
فينبغي أن تعيش بهذه العقيدة شجاعا واثقا بأن الله تعالى مقدر الأمور كلها، مستحضرا قوله سبحانه: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ {التوبة:51}.
ثم إنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في العدوى ما يفيد التحرز منها، وما يفيد عدم تأثيرها بنفسها، وأنها سبب من الأسباب ليس قطعيا، بل يتخلف أحيانا، فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى ولا صفر ولا هامة، فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب، فيجربها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن أعدى الأول.
وفي حديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه: لا يوردن ممرض على مصح. وفي حديث آخر: وفرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد. وفي رواية عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع مجذوم، وقال: ثقة بالله وتوكلاً عليه.
وقد اختلف أهل العلم في التوفيق بين هذه الأحاديث، وأقرب أقوالهم إلى الصواب هو: أن الأمراض لا تعدي بطبعها، بل الله هو الذي يجعلها سبباً لما ينجر عنها من الإصابة والانتقال وقد يتخلف ذلك.
وسبق بيان ذلك بتفصيل أكثر في الفتوى رقم: 49913، والفتوى رقم: 47651 فنرجو أن تطلع عليهما.
وما ينتاب السائل من هذه المشاعر إنما هو من وساوس الشيطان الذي يريد أن يحزن الذين آمنوا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم. رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن.
فعليك ـ أخي الكريم ـ بالاجتهاد في طاعة الله، وسؤاله العافية والاستعاذة به من كل سوء مع حسن الظن به، وصدق التوكل عليه، ودوام الاستعانة والركون إليه، واصرف عن ذهنك هذه الوساوس، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فالآجال والأقدار قد كتبت وفرغ منها، فما قدره الله سيكون، فأرح نفسك، واعمل من الأسباب الوقائية ما تيسر لك، ولا تتكلف ما يشق كغسل الأبواب، والغسل عند ملاقاة كل شخص.
وواظب على الدعاء الذي رواه عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال حين يمسي: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. ثلاث مرات، لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني. ورواه الترمذي وصححه، وابن ماجه وأحمد، بلفظ: ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء.
قال أبو الحسن المباركفوري في (مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح): في الحديث دليل على أن هذه الكلمات تدفع عن قائلها كل ضر كائنًا ما كان، وأنه لا يصاب بشيء في ليله ولا نهاره إذا قالها في أول الليل والنهار. اهـ.
وعليك بالحفاظ على أذكار الصباح والمساء، وسؤال الله العافية، فحافظ على قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلات مرات مساء وصباحا. ففي الحديث: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفيك من كل شيء. رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.
واحرص على تكرار: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. سبع مرات عند المساء والصباح، ففي الحديث: من قال حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات، كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة. رواه ابن السني وصححه الأرناوؤط.
وواظب على صلاة أربع ركعات أول النهار، ففي الحديث القدسي: يا ابن آدم: صل أربع ركعات أول النهار أكفك آخره. رواه أحمد وابن حبان والطبراني. وقال المنذري والهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح.
وهناك أدعية أخرى يتعوذ بها عند الخوف من التعرض للأذى ذكرناها في الفتوى رقم: 108339.
والله أعلم.