الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الدعاء بهلاك مثل هذا الأب

السؤال

بداية أود أن أشكر شخصكم الكريم على ما تقدمونه في موقعكم الموقر ما هو فيه بالغ الأثر النافع بإذن الله، وعظيم النفع على المسلمين جميعا، والله نسأل أن يجعله في ميزان حسناتكم وأن يوضع لكم لا عليكم يوم الحساب، هو ولى ذلك والقادر عليه.
وأبدأ مسألتي بسرد قصتي مع الأيام أو مع من جعله الله سببا لوجودي حتى هذه اللحظة، وأعايش هذه الأيام مع والدي ببساطة، ماذا تفعل يا أستاذي الفاضل لو كان والدك هو أكثر شخص في هذه الدنيا تتمنى وتدعو من الله كل يوم ألا يبقيه على ظهر الأرض لحظة واحدة، يتنعم فيها بنعم الله، ويتدثر فيها بمتع الحياة؟ ببساطة تتمنى لو أن النفس الذي يخرجه الآن من روحه الخبيثة أن تكون آخر أنفاسه في هذه الدنيا، وأن يجعل الله باطن الأرض مأواه ومستقره. ببساطة أكن كل تلك المشاعر لهذا الرجل لأنه ليس بإنسان، لأنه ممن خلقه الله من بهيمة الأنعام، بل والله أضل، هذا الرجل من الذي مرضت قلوبهم فمرضت عقولهم ومرضت أجسادهم، والدافع من وراء كلامي هذا، وبغض النظر عن قسوة هذا الرجل وسطوته على بناته أن هذا الرجل كان يتحرش بي جنسيا منذ أن كنت صغيرة لا أفقه شيئا عن تلك الأمور، إي والله كان يفعل بي تلك الأشياء التي يمارسها الأزواج ما عدا شيئا واحدا خوفا على عفتي أمام زوج المستقبل، وهو لا يعرف أن عفتي انتهكت من أول يوم تنازل فيها هو عن أبوته معي، وقد مضت الأيام على تلك وتيرة من القذارة والدونية والانحطاط الأخلاقي والتعفن النفسي لهذا الرجل، ويوما بعد يوم يتنامى بداخلي فكرة وحق تقرير مصيري مع هذا الرجل، ألا وهي قتل هذا الرجل، ولكن أيضا كان بداخلي نزعة إيمانية صادقة بدعائي لله بأن يخلصني من هذا العذاب، وأن يأتي من ينتشلني من براثن هذا الشيطان، وقد كان ما تمنيت، وقد جاء وعد ربي حقا بزوج صالح وقور كان نتاج دعوة صادقة في جوف ليلة مظلمة لتضيء حياتي من جديد، والحمد لله على ما وهبنيه الله إياه، وأكتب لكم سيدي اليوم لأنني ببساطة قاطعت هذا الرجل(المسمى بوالدي) منذ أن تزوجت؛ لأنني كنت أتخيل بأن معاملته سوف تتغير معي، وأنا في بيت زوجي، وأقصد من ود، ومن محافظة لمظهر الأب أمام زوج ابنته، فأصبح لا يتصل بي نهائيا، مطالبا إياي الاتصال به دائما، بل ولا يسأل عن حالي أبدا، حتى من باب التجمل أمام زوج ابنته، بل وتعدى الأمر أكثر من ذلك إلى مقاطعته لي ولزوجي طالبا مني أن أتصل به ثانية لمجرد أنه سمع زوجي يقول لي ذات يوم يجب على أبيك أن يتقي ربه فيما يفعله من تركه السؤال عن ابنته، وأن يراعي الله في ابنته القاطنة معه الآن في نفس البيت غير المتزوجة، وعدت لا أهتم بتاتا بأي خبر يأتيني عنه؛ لعلمي اليقين بأن ما أفعله هو ما يستحقه هذا الرجل من عقوق وقطيعة، مع العلم أنه هو نفسه هذا الرجل ما زال يمارس تلك الأفعال القذرة مع أختي (ابنته) لدرجة أنها تفكر جديا في الهرب من هذا البيت الملعون، وأنا أحثها على ذلك، خوفا مني على شرفها، وحفاظا مني على عفتها أمام نفسها وأمام زوج المستقبل بإذن الله تعالى. وسؤالي لك يا سيدي هل أذنبت في حق الله مع هذا الرجل من بر وصلة رحم؟ وهل يعاقبني الله على عقوقي بهذا الرجل؟ ورجاء أريد منك رأي الدين والشرع في هذه المسألة. وجزاكم الله خير الجزاء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنشكرك أولا على إعجابك بموقعنا وثقتك بنا، ونسأل المولى تبارك وتعالى أن يجعلنا عند حسن ظنك، وأن يستخدمنا في طاعته وتبليغ دعوته، وأن يرزقنا الإخلاص في ذلك كله .

وما ذكرت عن والدك -إن صح- مصيبة كبرى وداهية عظمى، إذ لا يتصور أن يتحرش الأب جنسيا ببناته وهو المرجو أن يكون الحامي لعرضه والحافظ له والمدافع عنه، فهو بهذا قد عق بناته قبل أن يعققنه، وخان أمانة الله، وفرط في المسئولية التي قد وكلت إليه. روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته .... والرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته. والواجب على البنت التي يتحرش بها أن تعامله معاملة الأجنبي، ولا تمكنه من الخلوة بها. وإن لم يكن من سبيل لدفع شره إلا بالهرب من البيت، فلتهرب إلى بيت من بيوت أقاربها، تأمن فيه على نفسها. وينبغي البحث لها عن زوج صالح يحميها ويعفها.

وأما هذه الألفاظ النابية التي قد استخدمتها في وصف أبيك، وما ذكرت من دعائك عليه بالهلاك، فلا شك في أنها من العقوق. فهو أبوك ويجب عليك بره والإحسان إليه، فإساءته إليك لا تسوغ لك عقوقه، وإن لم يتق الله فيك فاتق أنت الله فيه. وانظري الفتوى رقم : 111450. ولا يجوز لك قطيعته. وإذا كان في زيارته ضرر عليك منه فعليك بصلته بأي سبيل آخر من سبل الصلة كالاتصال والسؤال عنه ونحو ذلك. فإن الصلة يرجع فيها إلى العرف كما بينا بالفتوى رقم : 112136.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني