السؤال
في موقع إلحادي عرضت عليهم وجهة نظري في الإلحاد واللادينية، ولكن وصلت لدرجة يقينية بعد أن أتيت لهم بالأدلة والبراهين التى تثبت وجود الله أنهم لن يؤمنوا، لأن الإلحاد ترسخ فى قلوبهم وعقولهم. وإليكم المثال الآتي: عندما تناقشنا في أمر إرسال الله لرسله، فقالوا لي لم كل الرسل من شبه الجزيرة العربية ولم يذكر القرآن قصص الرسل خارج الجزيرة؟ فأجبته والحمدلله، فكان منه الرد بأنه لا يقتنع بالقرآن أصلا كدليل لأنه غير مسلم، فأجبته بالآتي: وهل تريدني أن آتي لك بنصوص التوراة لأؤيد لك قضية في الاسلام، وطالما تسأل عن القرآن فالإجابة لا بد أن تكون من القرآن. فبماذا يأمرني الإسلام مع من يجادل فقط من أجل الجدال لا من أجل الوصول لحقيقة وجود الله سبحانه وتعالى؟ وأيضا واجهني الآتي : عندما آتي لهم بالأدلة والبراهين على وجود الله وأحكام الإسلام نقلا عن فتاوى ومقالات يقولون لي إني أقول ما لا أفهم، فأرد بأني مقتنع بما أقول ولكني لا أريد أن أعبر عما أريده بأسلوبي الشخصي، فربما أرتكب أخطاء لغوية أو نحوية أو أخطاء تؤدي إلى عدم وصول المعنى الذي أريده فتكون حجتكم في بناء أدلة على هدم الإسلام وبالتالي عدم وجود الخالق سبحانه وتعالى، وأقول أيضا إنه طالما يسعى الملحد إلى الحقيقة فلا يهمه الأسلوب الشخصي في عرض الفكرة طالما تمكن العلماء من توضيحها بأسلوبهم. فهل هذا الرد سليم ؟
وفي قضية معجزة انشقاق القمر أتيت بها عند ما قالوا لي إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يأت لقومه بالمعجزات، فأرادوا تكذيب المعجزة وأتوا بآيات القرآن التي في رأيهم تناقض أن يكون النبي أتى بمعجزة فأجبتهم بأنه لا تناقض بين الآيات والمعجزة، ذلك لأن المعجزة التي أرادها المشركون هي المعجزة المقرونة بالهلاك، وقال أحدهم الشيخ الذي يفسر فسرها على هواه: (دليل آخر على جدالهم من أجل الجدال) ولكن قال لي أحدهم إن المشركين طلبوا من النبي أن يعرج إلى السماء وقد فعل فلم لم يهلكهم الله؟
وحقيقة أنا غير أهل لإجابة هذا السؤال ولذا رأيت أن من الصواب أن أسال من هو أعلم مني بأمور الدين أولا دون تسرع بإبداء رأي شخصي قد يضر أكثر مما يفيد، ويزيد من الصورة المشوهة عن الإسلام في رؤوس الملاحدة، وكلي يقين أنه ليس هناك تناقض بين آيات القرآن لأنها من عند المولى عز وجل وليست من عند بشر يخطىء ويصيب. وجزاكم الله كل خير
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فادعاء هذا الملحد أن (المشركين طلبوا من النبي أن يعرج إلى السماء وقد فعل) ادعاء كاذب، وبالتالي يبطل سؤاله: (فلم لم يهلكهم الله). فالله تعالى لم يفعل بنبيه ما طلبه المشركون، وإنما فتح عليه باب التوبة والرحمة. بيان ذلك في قوله تعالى: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا. (93) [الإسراء]. ومن يعرف معنى ما طلبوه يدرك أن ما حصل في رحلة الإسراء والمعراج لم يكن تلبية لطلبهم هذا، ولا يحقق مبتغاهم من وررائه، والذي يعنينا هنا هو قوله تعالى: أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ. فهذه هي حجة الملحد في دعواه أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرج إلى السماء، ولكنه إما لم يحسن فهم مرادهم، وإما أنه لا يعرف حقيقة ما حصل من المعراج. وذلك أن معنى الآية كما يقول ابن كثير: { أو ترقى في السماء } أي: تصعد في سلم ونحن ننظر إليك. { ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه }. قال مجاهد: أي مكتوب فيه إلى كل واحد واحد صحيفة: هذا كتاب من الله لفلان بن فلان، تصبح موضوعة عند رأسه. اهـ.
ومعلوم أن هذا لم يحصل ولا قريبا منه في المعراج، فإن أحدهم لم ير النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعرج به إلى السماء، ولذلك كذبوه وشنعوا عليه، بل قد رجع بعض الناس عن الإسلام لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما حدث له في هذه الرحلة !! فالمشركون إنما طلبوا أن يروا ذلك عيانا بالهيئة المذكورة في الآية، فأين هذا من ذاك ؟!
ومما يوضح الفرق بين الأمرين أن بعض أهل العلم قد ذهبوا إلى أن رحلة الإسراء كانت بالروح دون البدن، أو كانت مناما، كما في قوله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا [الإسراء: 60]. وراجع في تفصيل ذلك الفتويين: 397320، 19988. هذا مع كون الإسراء ثابت بنص القرآن.
والمقصود هو بيان الفرق الكبير بين ما طلبه المشركون وبين ما حصل في رحلة الإسراء والمعراج.
ومما يوضح ذلك أيضا معرفة سبب نزول هذه الآيات، فإن أشراف مشركي مكة قد اجتمعوا لبحث أمر الرسالة النبوية وكيفية مواجهتها وأرسلوا للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكان من جملة ما حصل أن طلبوا منه هذه الآيات، وكان الذي طلب صعود النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء هو ابن عمته عبد الله بن أبي أمية المخزومي، فقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: والله لا أؤمن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما، ثم ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها، وتأتي معك بنسخة منشورة، معك أربعة من الملائكة، يشهدون أنك كما تقول. وأيم الله، لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك" !!
ولذلك قال ابن كثير: وهذا المجلس الذي اجتمع هؤلاء له، لو علم الله منهم أنهم يسألون ذلك استرشادا لأجيبوا إليه، ولكن علم أنهم إنما يطلبون ذلك كفرا وعنادا، فقيل للرسول: إن شئت أعطيناهم ما سألوا فإن كفروا عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة، فقال: بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة. اهـ.
وأما من يجادل من أجل الجدال لا من أجل الوصول للحق، فهذا يبيَّن له الحق دون لجاج ولا خصومة، فإن قبل وإلا فقد قامت عليه الحجة، ويكون هذا من جملة المجادلة بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125}. وأما اللدد واللجاج بعد حصول هذا القدر فلا يُستحسن، وعلى ذلك ينزل قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا. رواه أبو داود وحسنه الألباني. وراجع في ذلك وفي بيان أنواع الجدل وحكم كل نوع الفتويين: 1513930، 50912.
وأما بقية ما ذكره السائل الكريم فهو مقبول من حيث الجملة، ولكننا ننصحه بمراجعة المواقع المتخصصة في الرد على شبهات الملحدين، فإن شبهاتهم مكررة، وراجع لما يجب التنبه له في هذا الباب الفتوى رقم: 71907.
والله أعلم