السؤال
من فترة ليست ببعيدة بدأت في القراءة وسماع محاضرات عن الفلسفة وعلم المنطق فأحببتها وخضت فيها، ولكن بعدها اكتشفت بعض الأفكار الإلحادية والعياذ بالله في بعض المواضيع الفلسفية، فقررت الابتعاد عن هذه المواضيع، وقراءة المواضيع التي ليس لها صلة بالإلحاد. و لكن الآن عندي بعض التساؤلات:
1) هل حرام القراءة أو الخوض في علوم الفلسفة والمنطق التي ليس لها صلة بالمواضيع التي تخص وجود الإله و أصل الخلق و نحوه؟
2) ما حكم الخوض في علوم المنطق الخاصة بالمناظرات والجدل؟
3) هل حرام قراءة مؤلفات الملحدين من الفلاسفة إذا كانت هذه المؤلفات لا تتعرض لمسائل الخلق والألوهية كما هو مذكور بالأعلى؟ أفادنا الله و إياكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليست المباحث المتعلقة بأصل الخلق ووجود الإله هي وحدها المحظورة من هذه العلوم الدخيلة، بل كل المباحث المتعلقة بالإلهيات والغيبيات فيها من المغالطة والانحراف ما يوجب البعد عنها، وقد سبق لنا بيان حرمة دراسة الفلسفة من هذه الجهة، ويستثنى من ذلك من درسها لنقدها ونقضها من أهل العلم المؤهلين لذلك برسوخهم في علوم الشريعة وإصابتهم في منهج التلقي والاستدلال، وهذه مرتبة عالية يشق الوصول إليها على أغلب طلاب العلم فضلا عن غيرهم، ولذلك كان الأصل هو الحذر من دراسة هذه العلوم وما تفرع منها مما يعرف بعلم الكلام، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 15514، 16115، 12103، 64218.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: ما تقولون في " المنطق " وهل من قال: إنه فرض كفاية مصيب أم مخطئ ؟ فأجاب : الحمد لله، أما المنطق، فمن قال: إنه فرض كفاية، وإن من ليس له به خبرة فليس له ثقة بشيء من علومه. فهذا القول في غاية الفساد من وجوه كثيرة التعداد مشتمل على أمور فاسدة ودعاوى باطلة كثيرة لا يتسع هذا الموضع لاستقصائها، بل الواقع قديما وحديثا: أنك لا تجد من يلزم نفسه أن ينظر في علومه به ويناظر به إلا وهو فاسد النظر والمناظرة كثير العجز عن تحقيق علمه وبيانه. فأحسن ما يحمل عليه كلام المتكلم في هذا: أن يكون قد كان هو وأمثاله في غاية الجهالة والضلالة، وقد فقدوا أسباب الهدى كلها، فلم يجدوا ما يردهم عن تلك الجهالات إلا بعض ما في المنطق من الأمور التي هي صحيحة، فإنه بسبب بعض ذلك رجع كثير من هؤلاء عن بعض باطلهم، وإن لم يحصل لهم حق ينفعهم، وإن وقعوا في باطل آخر. ومع هذا فلا يصح نسبة وجوبه إلى شريعة الإسلام بوجه من الوجوه. إذ من هذه حاله فإنما أتى من نفسه بترك ما أمر الله به من الحق حتى احتاج إلى الباطل. ومن المعلوم أن القول بوجوبه قول غلاته وجهال أصحابه، ونفس الحذاق منهم لا يلتزمون قوانينه في كل علومهم بل يعرضون عنها، إما لطولها وإما لعدم فائدتها وإما لفسادها وإما لعدم تميزها وما فيها من الإجمال والاشتباه، فإن فيه مواضع كثيرة هي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى. ولهذا ما زال علماء المسلمين وأئمة الدين يذمونه ويذمون أهله وينهون عنه وعن أهله، حتى رأيت للمتأخرين فتيا فيها خطوط جماعة من أعيان زمانهم من أئمة الشافعية والحنفية وغيرهم فيها كلام عظيم في تحريمه وعقوبة أهله .. اهـ. من المجلد التاسع من (مجموع الفتاوى).
وننصح الأخ السائل بقراءة هذا المجلد بأكمله فهو خاص بالمنطق. وكذلك قراءة كتاب (الرد على المنطقيين) لشيخ الإسلام، وهو مطبوع بمفرده.
وأما مسألة مباحث المنطق الخاصة بالمناظرات والجدل، فإن خلت مما يخالف طريقة الرسل، فلا حرج في قراءتها والاستفادة منها، وقد وضع العلامة محمد الأمين الشنقيطي كتابه (آداب البحث والمناظرة) لهذا الغرض،فننصح الأخ السائل بقراءة هذا الكتاب وأمثاله لثقات أهل العلم، ككتاب (أصول الجدل والمناظرة في الكتاب والسنة) للدكتور حمد بن إبراهيم العثمان.
وأما مسألة قراءة مؤلفات الملحدين من الفلاسفة إذا كانت هذه المؤلفات لا تتعرض لمسائل الخلق والألوهية، فلا يخرج جوابه عما تقدم.
والله أعلم.