الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يأثم الابن إن تزوج من فتاة لا يرضاها أبوه

السؤال

أنا شاب على مشارف الثلاثين من العمر أرغب في الزواج من فتاة بعينها منذ ما يقرب 6 سنوات، فأنا أبحث عن مواصفات في مجملها بسيطة، ولكنها ذات أهمية قصوى لدي في تحقيق الراحة والسعادة بمجرد النظر إلى الزوجة، وقد حافظت على الاستخارة وأتحرى الدعاء في أوقات إجابته وفي أماكن العبادة، ولهذا لم أقطع الأمل أبدا، أو أسكن إلى اليأس، بل إن الأمل وحسن الظن بالله يزداد مع الأيام، وأعتقد أنني تجاوزت مراحل وفترات المراهقة وأستطيع التفكير بالعقل دون العاطفة وبطريقة أفضل، والحمدلله فأنا الآن ميسور الحال ولدي عملي وتجارتي الخاصة وشريك في عدد من الشركات ذات المجالات المختلفة، وقد رأيت من تلك الفتاة ما يبعث على الفرحة والسرور من التدين والأخلاق النبيلة والعمل للدار الآخرة قبل الدنيا ومن ذلك حرصها على السفر لأداء العمرة وكونه أحد أهم أمور حياتها وأولوياته بعد فترة إنهاء دراستها الجامعية، وعلمت مؤخرا أنها استطاعت تحقيق ذلك في الآونة الأخيرة في رمضان وهو ما دفعني للتمسك بها أكثر من قبل، وبالتالي يمكنني القول بأنني أحسبها على خير فهي ذات شخصية مرحة تحمل بساطة في الوجه وعطاء من اليدين للخير والإعانة عليه، وقد سألت عنها مرارا وتكرارا وعلى فترات مختلفة في محيط مسكنها وموقع عملها وما وجدته زاد من تمسكي بها خاصة وأنها تتألق وترتقي في عملها مما أتاح لها فرصا كالابتعاث للخارج ومنحة على نفقة العمل تقديرا لجهودها ونجاحها بالإضافة إلى المميزات الأخرى، وأراها الآن دون سواها من نساء العالم أفضل من يعينني على تصريف أمور الحياة في المواقف المختلفة، وأصبحت أخاف من الزواج بأخرى لئلا أظلم غيرها ولا أستطيع تطبيق ما أحله الله وشرعه، أو أن يقع اسمها على لساني أمام الزوجة الأخرى فأنا لا أستطيع نسيانها مطلقا، وأخشى الوقوع في الحرام وأنا أبحث عن العفة، والمشكلة الآن أن والدي يعارض ذلك الزواج بشدة ولا يريده دون وجود سبب جوهري ومحدد، أو وجود سبب دنيوي وليس بديني، وكثيرا ما يذكرني بقصة الصحابي الجليل عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عندما طلق زوجته نزولا عند رغبة والده، وهذا مادفعني للاطلاع والبحث والتعمق في السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين وقرأت رأي الامام أحمد وابن تيمية وابن عثيمين ـ رحمهم الله ـ واللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية في هذه المسألة، ومن جهة أخرى فإن الحديث الشريف يقول: إنما الطاعة في المعروف ـ والزوجة الصالحة من المعروف وعدم الزواج منها ليس من المعروف استنادا لكلام الشيخ بن باز ـ يرحمه الله ـ وقوله صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح ـ وعلمت أيضا أن الابن لا تلزمه طاعة والده في شيء لا ضرر على والده فيه وللولد فيه منفعة استنادا لرأي كثير من العلماء، كما يقول سبحانه تعالى: فانكحو ما طاب لكم من النساء ـ ولم يقل سبحانه ماطاب لآبائكم، أو أمهاتكم، أو غير ذلك ورأي كثيرا من العلماء في كل ذلك افعل ولا حرج محاولاً ارضاء الوالدين، وبناء على هذا هل أكون عاقا لوالدي وآثما في حالة الزواج من تلك الفتاة اعتمادا على الآية الكريمة: وقضى ربك ألا تعبدو إلا إياه ـ وهل يمكن أن تكون تلك عقوقا وسيفا مسلطا على رقاب الأبناء؟ أم هل أتزوج بها وأحاول إرضاء والدي في نفس الوقت لنزع سلاح العداوة والبغضاء وعدم الرضى؟ لقد استخرت الله مرات ومرات ومازلت أدعوه وأرجوه خاصة أثناء أداء العمرة والحج بأن يشرح قلب والدي بالموافقة، فرضاه من رضى الخالق سبحانه وتعالى، وفي كل مرة أستخير أشعر براحة شديدة في نفسي تحملني على القيام بالتحدث لأهل الفتاة دون معرفة والدي حاليا ولكنني أفضل أن أجد الفتوى المناسبة لعلي أزداد راحة وطمأنينة قبل الإقدام على شيء، فهل لكم أن تفتونا مأجورين ولكم جزيل الشكر والثواب وجعله الله في ميزان حسناتكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به أن تسعى لإقناع والدك بالموافقة على زواجك من تلك الفتاة وتستعين في ذلك بمن له تأثير عليه من الأقارب، أو غيرهم، فإن رفض لغير مسوّغ، فلا تلزمك طاعة والدك في تركها ولا سيما إذا كنت تتضرر بترك زواجها، فإن طاعة الوالدين لا تجب فيما يضر الولد، وأما إن كنت لا تتضرر بترك هذه الفتاة فالأولى تركها والبحث عن غيرها، فإن بر الوالد من أفضل القربات عند الله، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني