السؤال
قال تعالى"وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ" هل تقييد قصر الطرف بكونه على الزوج ينفي جواز رؤية غير الزوج؟ هل هذا يمنع أنها تخرج من قصرها ومملكتها الى أسواق الجنة وترى الرجال من الأنبياء والصديقين والنساء، وخاصة في يوم المزيد الذى بشر سيدنا جبريل به النبي عليه الصلاة والسلام، وأن تتنعم برؤية الله عز وجل مثل الرجال، ولكن نظرة الرجال والنساء في الجنة طبعا لا ريبة فيها ولا معصية، وورد في بعض الآثار أن الله يصرف عن المرأة في الجنة كل شيء إلا حب زوجها، وأن المرأة لن تشتهي إلا زوجها في الجنة، هل مكافأة المرأة بعد دخولها الجنة بعد أن صامت وصلت وعبدت الله واحتملت الابتلاء وصبرت أن تصبح مجرد زوجة يكافأ بها رجل مثلها مثل الحور، أليست المرأة المؤمنة من اللواتي أعدّ الله لهنّ نعيم الجنّة ووعدهنّ بها، وليست من نعيم الجنّة الذي يكافئ الله به المؤمنين كالحور العين حتى تكون مقصورة في خيمة قاصرة الطرف، لا ترى أحدا ولا يراها أحد، فمن حق المرأة التي استحقت الجنة ألا يفرض عليها الحجاب، وأن تخرج إلى أسواق الجنة و تتمتع بنعيم الجنة بكل أنواعه كالرجل . فالجنة ليس فيها نظرة سوء وهي دار جزاء وثواب وليست دار تكليف، ولا هي محل للعمل والأمر والنهي، فالرجل يستمتع بالجنة ونعيمها وسوق الجنة ويرى الله ويتزاور مع أهل الجنة ويرى الأنبياء، بينما المرأة تظل مكلفة في الجنة بالحجاب والستر والقرار في البيت وغض البصر كما كانت في الدنيا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فهمته الأخت السائلة من الآية غير صحيح، بل إن نساء الجنة يخرجن من الخيام إلى الغرف والبساتين والتنزه في رياض الجنة، وقد أوضح ذلك الإمام ابن القيم فقال في حادي الأرواح: قال تعالى في وصفهن: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ المقصورات المحبوسات، قال أبو عبيدة: خدرن في الخيام. وكذلك قال مقاتل. وفيه معنى آخر وهو أن يكون المراد أنهن محبوسات على أزواجهن لا يرون غيرهم وهم في الخيام. وهذا معنى قول من قال: قصرن على أزواجهن فلا يردن غيرهم ولا يطمحن إلى من سواهم. وذكره الفراء. قلت: وهذا معنى قاصرات الطرف، ولكن أولئك قاصرات بأنفسهن وهؤلاء مقصورات، وقوله في الخيام على هذا القول صفة لحور، أي هن في الخيام، وليس معمولا لمقصورات، وكأن أرباب هذا القول فسروا بأن يكن محبوسات في الخيام وليس لا تفارقنها إلى الغرف والبساتين. وأصحاب القول الأول يجيبون عن هذا بأن الله سبحانه وصفهن بصفات النساء المخدرات المصونات وذلك أجمل في الوصف، ولا يلزم من ذلك أنهن لا يفارقن الخيام إلى الغرف والبساتين، كما أن نساء الملوك ودونهم من النساء المخدرات المصونات لا يمنعن أن يخرجن في سفر وغيره إلى منتزه وبستان ونحوه، فوصفهن اللازم لهن القصر في البيت ويعرض لهن مع الخدم الخروج إلى البساتين ونحوها. وأما مجاهد فقال: مقصورات قلوبهن على أزواجهن في خيام اللؤلؤ اهـ.
وفيه معنى آخر أشار إليه ابن القيم فقال: فيهن قاصرات الطرف أي قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يرون غيرهم لرضاهن بهم ومحبتهن لهم. وذلك يتضمن قصرهن أطراف أزواجهن عليهن فلا يدعهم حسنهن أن ينظروا إلى غيرهن. اهـ.
فليس المراد بالقصر هنا قصر البدن عن الخروج، وإنما قصر النفس عن التطلع إلى غير الزوج. وكذلك ظن السائلة أن المرأة تظل مكلفة في الجنة بالحجاب والستر ... إلى آخره. لا دليل عليه في الآية، وما ورد من ذكر ثياب النساء في الجنة ما هو إلا نوع من الزينة والنعيم، ولا علاقة له بتكليفها بالحجاب...
ثم إن من المستغرب جدا أن تفهم السائلة من الآية أن المرأة تحرم حتى من النظر إلى الله تعالى !! فليس الأمر كذلك قطعا.
وعلى أية حال، فما وصف الله تعالى من أنواع النعيم في الجنة الأصل أن يشترك فيه أهلها كلهم رجالا ونساء، إلا ما خصه الدليل ككون الرجل من أهل الجنة يتزوج أكثر من امرأة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما النساء شقائق الرجال. رواه الترمذي وأبو داود وأحمد. قال الخطابي في معالم السنن: أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع فكأنهن شققن من الرجال. وفيه من الفقه إثبات القياس وإلحاق حكم النظير بالنظير، وأن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها. اهـ.
فلتبشر السائلة بما يسرها إن دخلت الجنة، فإنها عندئذ تنال ما تتمنى وتجد ما تشتهي، فلن تشاء فيها شيئاً إلا أعطيت إياه، كما قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ {النحل:31} وقال سبحانه: فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف: 71] وقال تبارك وتعالى في الحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. متفق عليه.
فليكن اهتمامك وانشغالك بكيفة الوصول للجنة والفوز بها، ودعي عنك ما وراء ذلك.
والله أعلم.