السؤال
هل كتب الله كل شيء في اللوح المحفوظ ؟وهل يتغير المكتوب في اللوح المحفوظ بالدعاء أو بغيره؟ لأن هناك أثرا عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يدعو: اللهم إن كنت كتبتني عندك شقيا فامحني؟ وما معنى رفعت الأقلام وجفت الصحف؟ وما هي الآثار والفوائد النفسية على من يؤمن بالقدر؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن الله تعالى كتب كل ما في السموات والأرض وما هو كائن في اللوح المحفوظ كما دل على ذلك القرآن والسنة, قال الله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{الحج: 70}.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: يخبر تعالى عن كمال علمه بخلقه، وأنه محيط بما في السموات وما في الأرض، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وأنه تعالى علم الكائنات كلها قبل وجودها وكتب ذلك في كتابه اللوح المحفوظ، كما ثبت في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قدّر مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء.
وفي السنن من حديث جماعة من الصحابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة. اهـ.
ولا يتغير ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ وإنما يتغير ما هو مكتوب بالصحف التي عند الملائكة، كما بيناه في الفتوى رقم: 96904.
ومعنى: رفعت الأقلام وجفت الصحف ـ قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: هو كنايةٌ عن تقدُّم كتابة المقادير كلِّها والفراغ منها من أمدٍ بعيد، فإنَّ الكتابَ إذا فُرِغَ من كتابته، ورفعت الأقلامُ عنه، وطال عهده، فقد رُفعت عنه الأقلام، وجفتِ الأقلام التي كتب بها مِنْ مدادها، وجفت الصَّحيفة التي كتب فيها بالمداد المكتوب به فيها، وهذا من أحسن الكنايات وأبلغِها. اهـ.
وقال في تحفة الأحوذي: رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ـ أَيْ كُتِبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا كُتِبَ مِنْ التَّقْدِيرَاتِ وَلَا يُكْتَبُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ شَيْءٌ آخَرُ، فَعَبَّرَ عَنْ سَبْقِ الْقَضَاءِ وَالْقَدْرِ بِرَفْعِ الْقَلَمِ وَجَفَافِ الصَّحِيفَةِ تَشْبِيهًا بِفَرَاغِ الْكَاتِبِ فِي الشَّاهِدِ مِنْ كِتَابَتِهِ. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 35295، عن القدر والدعاء، وهل يمكن تغيير القدر بالدعاء، والفتوى رقم: 12638، عن القضاء المبرم الذي لا يتغير والقضاء المعلق، وكذا الفتويين رقم: 54532, ورقم: 20434،عن معنى القضاء والقدر.
ولا شك أن للإيمان بالقضاء والقدر فوائد وآثارا نفسية على المؤمن أعظمها الاطمئنان وسكون النفس، فإذا علم العبد أن ما أصابه من خير أو شر أمر مقدر من لدن حكيم خبير لا يقع السفه في أفعاله وتقديره اطمئنت نفسه وهدأ باله وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه, وانظر الفتوى رقم: 67357، عن القضاء والقدر مفهومه.. مراتبه.. وثمراته.
والله أعلم.