الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم التعامل مع مسؤول مبيعات يزيد في السعر ليأخذ الفارق لنفسه

السؤال

فضيلة الشيخ: لدي سؤال مهم جدا وأنا بأمس الحاجة لجواب يفصل في الموضوع، فضيلة الشيخ: أنا شاب جزائري أشتغل في الأعمال الحرة لكسب الرزق الحلال والحمد لله، اقترح علي أحد الأصدقاء صفقة مربحة تتمثل في بيع معدات إلكترونية متنوعة لإحدى الشركات الأجنبية التي تشتغل بالجزائر منذ أكثر من عشر سنوات ذات إدارة مختلطة جزائرية وأوروبية مقابل أن أعطيه نسبة أرباح تقدر بعشرين في المائة من الربح الإجمالي المترتب عن هذه الصفقة، مع العلم أنه لا يشتغل بهذه الشركة ولا يربطه بها أي عقد عمل، كما لا تربطه بي أي وثيقة شراكة من قبل، بل سيكون شريكي في هذه الصفقة فقط، وعلاقتي به طيبة وأساس تعاملي التجاري معه الثقة المتبادلة والتراضي، إلى هنا كل شيء عادي ولأن كل وثائقي قانونية ونيتي طيبة لأنني قصدت أن أربح ولا بأس أن يربح صديق معي بالرغم أن مشاركته ليست برأس مال أو ما شابه ذلك وإنما مساعدته لي تتمثل في ضمان الصفقة، و هنا يبدأ الإشكال، فضيلة الشيخ صديقي هذا له زميل أو قريب يشتغل كمسؤول في مصلحة المبيعات بهذه الشركة الأجنبية، أنا لم ألتقه ولا أعرفه إطلاقا إلا من خلال المكالمات الهاتفية قصد إرسال العروض الخاصة بهذه الصفقة، أرسل لي صديقي قائمة احتياجات الشركة الأجنبية من سلع ولوازم تلقاها من طرف قريبه عن طريق البريد الإلكتروني وطلب مني أن أرسل فاتورة شكلية بهذه المتطلبات بأسعار مقبولة عبر البريد الإلكتروني الشخصي الخاص بقريبه كي يقوم بتصحيحها ففعلت، مع العلم أن هذ البريد الإلكتروني الشخصي ليست له أي علاقة بالشركة، وبعد مدة قصيرة تلقيت الرد من طرف قريبه مع الفاتورة الشكلية بعد أن قام برفع الأسعار حيث ارتفع المبلغ الإجمالي بقيمة تقدر بعشرين في المائة تقريبا وطلب مني إرسلها عبر البريد الإلكتروني الخاص بالشركة بالتأكيد سوف يستعمل علاقته كي يقبل عرضنا، وعندما سألت صديقي قال لي إن تلك الزيادة سيأخذها قريبه من حسابنا الخاص بعد أن نكمل الصفقة ونحصل على الأرباح فرفضت لأنني أعتقد أنها نوع من الرشوة وبما أنني متمسك بديني فأنا على يقين بأن الرشوة حرام، أخبرت أحد أقربائي بالموضوع فقال لي لا تقبل بهذه الطريقة ولكن اتفق مع صديقك على نسبة من الأرباح المتفق عليها في بادئ الأمر وأخبره بأن علاقتك التجارية تتوقف بينكما فقط وبأنك غير مسؤول عن أي نسبة يقدمها لقريبه، مع العلم أنني لو قبلت فأنا متيقن جدا بأن صديقي هذا سيعطي لقريبه هذا نسبة حتى ولو كانت قليلة أي رشوة أو بعبارة أخرى إذا لم يعطيه حتما سيبطل الصفقة، فهل أقبل؟ وهنا أجزم أنها نوع آخر من الرشوة، فحاول إقناعي بأنها طريقة عادية وأن ضميره مرتاح تجاه هذا النوع من المعاملات، شيخنا الفاضل كي أزيل كل الشبهات وقبل أن أقبل هذا النوع من الصفقات قررت إرسال هذا الموضوع وأنا على يقين بأن أجد عند فضيلتكم الجواب المفيد والموافق لكتاب الله ولسنة رسوله، شيخنا الفاضل أعانكم الله على فعل الخير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما يعرضه عليك صديقك من التعامل مع مسؤول المبيعات في الشركة على النحو المذكور يعتبر رشوة سواء باشرت التعامل مع المسؤول أو كان ذلك عن طريق وسيط، ولا شك أن هذه المسؤول مرتكب لخيانة عظيمة لشركته حيث يزيد في السعرليأخذ الفرق له وهو المطالب بالعمل لمصلحة الشركة والتقصي لها في الأسعار, وبناء على ذلك فلا يجوز لك المضي في الصفقة مع ذلك الشريك أوقريبه بعدما تبين لك كنه الأمر .. قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}.

وشكر الله لك اهتمامك وحرصك على العمل المباح، والرزق الحلال، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم وتوجيهه للناس أن قال: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. قال الحافظ في الفتح: أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة، وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود ـ وصححهالألباني أيضا.

والإنسان مأمور بتحري الطيب الحلال، والبعد عن المحرمات والمشتبهات، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ{البقرة: 172}.

وعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كلها، ألا وهي القلب. متفق عليه.

ومن تحرى الحلال يسره الله له لقوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2ـ3}.

وقوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {الطلاق: 4}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني