الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من قال لزوجته: إني خارج من الملة، وإنك طالق إن دخل فلان إلى بيتي

السؤال

معشر الإخوة العلماء الأفاضل، أفتوني يرحمكم الله في هذه النازلة في أقرب وقت ممكن وأريحوني فإني معذب:
كان بيني وبين زوج أخت زوجتي خلافٌ كبير لظلمٍ منه لنا، اعترف به في ما بعد، ونظراً لغضبي وإحساسي بالظلم آنذاك، أقسمتُ بالله وقلتُ لزوجتي إني خارج من الملة، وإنك طالق إن دخل هذا الرجل مرة أخرى إلى بيتي، وسأجمع حقيبتي وأغادرك أنت والطفل إلى غير رجعة، لأنّ الرجل -غفر الله لنا وله- يمشي ويتنفس بالغيبة والنميمة بيننا، فلم يترك أحداً من الأصهار والأقارب إلا وقال فيه فريَّةً.
فامثتلت للأمر وقاطعناه ثلات سنوات، في حين أن العلاقة مع زوجته كانت عاديةً تزورنا باستمرارٍ ولا شيء في ذلك.
وشاء القدر أن يموت أحد أصهارنا (أخو الزوجات) رحمه الله وألحقنا الله به مؤمنين طائعين تائبين، فالتقينا وتصافحنا لأنّ الأمر كان جللا، وشاء الله أن يدخلَ هذا الرجل بيتنا لهذه الضرورة وأخد يكلمني وأكلمه بعدما اعترف بظلمه وطلب الصفح، سامحته لأن في الصلح خيرا.
السؤال هو: ماذا ينبغي علي فعله الآن لألقى الله وهو عني راض، أأطلّق زوجتي أم أصوم شهرين متتابعين أم ماذا ؟ أرجوكم أفيدوني، سأمثتل لأي فتوى منكم فحق الله أولى .
بارك الله فيكم

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يجعل لك من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، وقبل الجواب نريد أولا التنبيه إلى الخطأ في قول السائل: وشاء القدر، وقد بينا ذلك من قبل في الفتوى رقم: 27151.
ثم لتعلم أن الحلف بالطلاق من أيمان الفساق فلا يجوز للمسلم أن يحلف به، لما فيه من الحلف بغير الله تعالى المنهي عنه شرعا؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت. متفق عليه.
والحلف بالطلاق له حالتان -عند أهل العلم- الحالة الأولى: أن تكون قصدت بيمينك حصول الطلاق عندما يدخل زوج أخت زوجتك بيتكم. وفي هذه الحالة يقع الطلاق باتفاقهم عند ما يحصل ما علق عليه، وهو دخول هذا الرجل في بيتكم.
الحالة الثانية: أن لا تكون قصدت الطلاق، وإنما قصدت اليمين وإبعاد حصول ما حلفت عنه -وهو دخول الرجل المذكور لبيتك- وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى وقوع الطلاق في هذه الحالة أيضا عند حصول الحنث وهو القول المفتى به عندنا. وذهب شيخ الإسلام ومن وافقه إلى أنه في هذه الحالة يعتبر يمينا كسائر الأيمان ولك حلها والكفارة عنها كفارة يمين. وانظر الفتاوى أرقام: 5677، 11592، 31259 وما أحيل عليه فيها.
وأما الحلف بالخروج من الملة - والعياذ بالله- فهو أشد تحريماً، وعلى الحالف به أن يبادر إلى التوبة النصوح منه إلى الله تعالى. قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة مع شرحه: "ومن قال" والعياذ بالله "أشركت بالله أو هو يهودي أو نصراني" أو عابد وثن ونحو ذلك "إن فعل كذا" ثم فعله "فلا كفارة "عليه" أي في شيء من ذلك لأن الحلف بغير أسماء الله أو صفاته لا تنعقد به يمين "ولا يلزمه غير الاستغفار" والتوبة" وانظر الفتوى: 20908.
والحاصل أن الذي عليك الآن هو المبادرة بالتوبة النصوح إلى الله تعالى وفعل ما استطعت من أفعال الخير، والإقلاع عن الحلف بالطلاق وبغير الله تعالى. وأن زوجتك قد طلقت منك، ولك أن ترتجعها إن لم يكن هذا الطلاق مكملا للثلاث، وما تحصل به الرجعة سبق بيانه في الفتوى رقم: 30719.

وفي خصوص ما ذكرته من أنك أقسمت بالله، فإن كان المحلوف عليه هو أن لا يدخل هذا الرجل إلى بيتك فإنه إن دخل لزمتك كفارة يمين مع ما ذكرناه من طلاق الزوجة ووجوب التوبة، وإن كان المحلوف عليه هو طلاق الزوجة إذا دخل الرجل فإنه لا يكون فيه شيء؛ لأن الزوجة قد طلقت بمجرد دخوله. وكفارة اليمين هي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم تجد شيئا من ذلك فعليك صيام ثلاثة أيام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني