السؤال
سمعت شبهة أثيرت حول حديث ما عن عائشة قالت كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة قال فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا أرى هذا يعرف ما هاهنا لا يدخلن عليكن قالت فحجبوه فأريد معرفة صحة الحديث والرد على ما أثير من شبه مثل كيف يدخل بيت أزواج النبى(ص)رجل فى غيابه حتى ولو كان مخنثا؟ هل نسمح لهؤلاء بدخول البيت فى غيابنا مع أنه اتضح أن ذلك الرجل ليس بمخنث ويمكن أن تثور شبهات إذا اتضح أنه ليس بمخنث؟ أنه ضحك على المسلمين ودخل بيوتهم ورأى فيها النساء ولم يدر الرسول؟ أرجو من علمائنا الأفاضل الرد الضروري على هذه الشبهة .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أذن الله تعالى للنساء أن يبدين زينتهن لغير أولي الإربة من الرجال كما قال تعالى : أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال .
والمراد من لا أرب له في النساء قال النووي: والمختار في تفسير غير أولي الإربة أنه المغفل في عقله الذي لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن كذا قاله ابن عباس وغيره. اهـ
وقال ابن قدامة: ومن ذهبت شهوته من الرجال لكبر أو عنة أو مرض لا يرجى برؤه والخصي والشيخ والمخنث الذي لا شهوة له فحكمه حكم ذوي المحرم في النظر لقول الله تعالى: أو التابعين غير أولي الإربة ـ أي غير أولي الحاجة إلى النساء.
وقال القرطبي رحمه الله: واختلف الناس في معنى قوله: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ فقيل: هو الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء. وقيل الأبله. وقيل: الرجل يتبع القوم فيأكل معهم ويرتفق بهم ؛ وهو ضعيف لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن. وقيل العنين. وقيل الخصي. وقيل المخنث. وقيل الشيخ الكبير، والصبي الذي لم يدرك. وهذا الاختلاف كله متقارب المعنى، ويجتمع فيمن لا فهم له ولا همة ينتبه بها إلى أمر النساء. انتهى.
فالمخنث يدخل في غير أولي الإربة ولذا صح أنه كان يدخل على نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
فعند أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث، وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة، فقال صلى الله عليه وسلم: لا يدخلن عليكم هذا. فحجبوه .
فسبب الإذن هو أن الغالب في مثل هذا الشخص أنه من غير أولي الاربة فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفه لجمال النساء منعه الدخول عليهن لما علم من حاله قال العراقي في طرح التثريب :
المخنث هو الذي يشبه النساء في أخلاقه وكلامه وحركاته فيلين في قوله ويتكسر في مشيته وينثني فيها وقد يكون هذا خلقة لا صنع له فيه وقد يتكلف ذلك ويتصنعه فالأول لا ذم عليه ولا إثم ولا عقوبة ; لأنه معذور لا صنع له في ذلك والثاني مذموم جاءت الأحاديث الصحيحة بلعنه , وهو داخل في الحديث الآخر { لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين بالنساء من الرجال } . وقد كان هذا المخنث من القسم الأول ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم خلقه الذي هو عليه حين كان من أصل خلقته وأقره على الدخول على النساء بناء على أنه لا يعرف شيئا من أحوالهن ولا يميز بين الحسنة منهن والقبيحة ; لأن الغالب على من كان ذلك فيه خلقة أنه كذلك فلما ظهر له منه خلاف ذلك منعه الدخول عليهن اهـ
و قال الجصاص : قوله تعالى : { أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال } . روي عن ابن عباس وقتادة ومجاهد قالوا : ( الذي يتبعك ليصيب من طعامك ولا حاجة له في النساء ) . وقال عكرمة : ( هو العنين ) . وقال مجاهد وطاوس وعطاء والحسن : ( هو الأبله ) . وقال بعضهم : ( هو الأحمق الذي لا أرب له في النساء ) . وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت : كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة , قالت : فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو ينعت امرأة فقال : ( لا أرى هذا يعلم ما ههنا , لا يدخلن عليكن ) , فحجبوه . وروى هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة : أن { النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها مخنث , فأقبل على أخي أم سلمة فقال : يا عبد الله لو فتح الله لكم غدا الطائف دللتك على بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان , فقال : لا أرى هذا يعرف ما ههنا لا يدخل عليكم . } فأباح النبي دخول المخنث عليهن حين ظن أنه من غير أولي الإربة , فلما علم أنه يعرف أحوال النساء وأوصافهن علم أنه من أولي الإربة فحجبه . اهـ
والله أعلم.