الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج طرد الأوهام والوساوس

السؤال

كل ما أسمع ذنبًا وعذاباً، أحس أنه بي، والشيء الثاني أني لم أذق حلاوة الإيمان لكثرة تفكيري بالأشياء، أنه كذا، ولم يفعل الله كذا، وعندما أتوقف عن التفكير يقول الشيطان لي: لم توقفت؟! لأن معي الحق أليس كذلك، فأحاوره حتى أتعب، ويقول: إنك لم تسلم إلا لأن أباك مسلم، فأرد عليه حتى أتعب.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فعلى السائل الكريم أن ينزع الوساوس والأوهام من قلبه، وأن يداوم على أذكار الصباح والمساء، وسيجدها مرتبة من القرآن والسنة في كتيبات صغيرة ميسرة.

ثم لتعلم أن المسلم لا بد أن يوازن بين الخوف والرجاء، فالآيات التي ذكر فيها الوعيد دائماً إلى جانبها آيات الوعد، وآيات الترهيب معها آيات الترغيب، فعليك أن تقرأها جميعاً وتتأمل معناها، كقول الله تعالى: حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَاب [غافر:1-3].

فشديد العقاب جاء قبلها: غافر الذنب وقابل التوب، وهكذا... فلعل هذا ينفعك إذا أكثرت من تلاوة كتاب الله تعالى وتأملت هذه المعاني.

والذي يريد أن يذوق طعم الإيمان وحلاوته لا بد أولاً أن يقتنع ويرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً، ويتقرب إلى الله تعالى بالطاعات، وأن يحب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يحب أهل الإيمان والصلاة، ويكره أهل الكفر والفسوق.

هذه المعاني وردت في الأحاديث الصحاح عن نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فقد روى الشيخان من حديث أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار.

فالذي يريد أن يذوق حلاوة الإيمان عليه أن يتصف بهذه الصفات، وعن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبياً رسولاً. رواه مسلم.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن استعاذني لأعيذنه ولئن سألني لأعطينه.... أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فإذا اتصفت بهذه الصفات، وتقربت إلى الله تعالى بالطاعات، فلا شك أنك ستجد حلاوة الإيمان، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

ولا تشغل نفسك -أخي الكريم- بالوساوس والهواجس التي يلقيها عليك الشيطان، فأكبر همه أن يضلك، ويشككك في الدين، وإذا وجدت شيئاً من ذلك فالجأ إلى الله تعالى بالاستعاذة من الشيطان ووساوسه.

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة: لا يزال الناس يسألونكم عن العلم حتى يقولوا: هذا خلق الله، فمن خلق الله؟ فمن وجد شيئاً من ذلك، فليقل: آمنت بالله. وفي رواية: فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله، ولينته. رواه مسلم.

فإذا بلغت بك الوساوس هذا الحد، فاستعذ بالله -تعالى-، وسد عنك هذا الباب، وانته عن التفكير فيه، كما أمرك صلى الله عليه وسلم، لأن عقلك المحدود وطاقتك الفكرية لا يمكنها أن تستوعب الأمور الغيبية البسيطة فكيف بما هو أكبر؟

والإسلام -أخي الكريم- ليس دين تقليد واتباع بالطاعة العمياء كما في النصرانية أو غيرها، فلا بد فيه من الاقتناع التام، ولهذا تجد القرآن الكريم ينعى على الكفار والمقلدين لآبائهم: بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22]. ولهذا قال بعض أهل العلم "لا يصح إيمان المقلد".

وباختصار: عليك بقراءة كتاب الله وتدبر معانيه، فستجد ضالتك المنشودة وطلبتك المفقودة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني