الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فجوابنا عن السؤال يتلخص في ما يلي على الترتيب الذي ذكره السائل:
أولا: لا حرج عليك في إعطاء الزكاة للمؤسسات الخيرية لتقوم هي بدفعها لمستحقيها, وهذا من باب التوكيل في إخراج الزكاة, وهو جائز كما بيناه في الفتوى رقم: 101692, ولكن يجب التحقق من أن المؤسسة التي ستوكلها في إخراج الزكاة تقوم بإعطائها لمستحقيها فربما دفعتها لأناس ليسوا من أهل الزكاة ظنا منها أنهم من أهلها, فنحن كما تعلم في زمن يعم فيه الجهل ويقل فيه العلم فلا بد من التأكد, ولا علم لنا بحقيقة المؤسسات التي ذكرتها وما تقوم به من نشاط وهل تقوم بدفع الزكاة لمستحقيها أم لا؟
ولكن ينبغي العلم بأن مجرد الإصابة بسرطان الاطفال أو ثقب القلب أو غير ذلك من الأمراض ليس شيء منها يجعل الشخص مصرفًا للزكاة، وكذا وقوع مدينة معينة في حالة إنسانية من نحو زلازل أو غيرها, فمصارف الزكاة قد حصرها الشرع الحنيف وبينها، وانظر الفتوى رقم: 27006 في بيان مصارف الزكاة .
ثانيا: زكاتك لم تضع, وإخراج الزكاة وإن كان واجبا على الفور إلا أنه يجوز تأخيرها لعذر كغيبة المال ونحوه, جاء في الموسوعة الفقهية " قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ, وَمِمَّا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنَ الأْعْذَارِ: أَنْ يَكُونَ الْمَال غَائِبًا فَيُمْهَل إِلَى مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ إِحْضَارُهُ، وَأَنْ يَكُونَ بِإِخْرَاجِهَا أَمْرٌ مُهِمٌّ دِينِيٌّ أَوْ دُنْيَوِيٌّ، وَأَنْ يَنْتَظِرَ بِإِخْرَاجِهَا صَالِحًا أَوْ جَارًا. " اهــ
وكونك تبحث عن أهلها نرجو أن تكون معذورا به في هذا التأخير, لا سيما وأنه لأيام معدودة, وقد أجاز جماعة تأخيرها لزمن يسير, كما قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: وقال جَمَاعَةٌ: يَجُوزُ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ وَلَا يَفُوتُ الْمَقْصُودُ ... اهــ .
ثالثا: النقود التي خصمتها إن كانت ديونا قد استقرت في ذمتك فعلا ولم يكن عندك من العروض المتخذة للقنية مما لا تحتاجه ما يمكن جعله في مقابلة تلك الديون فإنه لا حرج عليك في خصمها؛ لأن الدين إذا كان نقودا يخصم من الزكاة في هذه الحالة, وانظر الفتويين التالية أرقامهما: 124533، 127119.
وأما إذا لم تكن ديونا استقرت في ذمتك فإنه لا يجوز لك خصمها من الزكاة لمجرد أنك ستنفقها قريبا كما لو خصمتها لشراء تذكرة سفر أو خصمتها لأجل أنك ستوقع عقدا ونحو ذلك، كما بينا في الفتويين المذكورتين.
رابعا : إننا نعجب من ترك السائل للصلاة مع حرصه على إخراج الزكاة, مع أن كليهما فرض وركن من أركان الإسلام, بل الصلاة آكد, ولا شك أن ترك الصلاة كبيرة من كبائر الذنوب, وسماه النبي صلى الله عليه وسلم كفرا, كما في قوله "الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ" رواه أحمد وأهل السنن, وقد اتفق العلماء على أن تارك الصلاة إذا كان جاحدا لوجوبها فإنه كافر كفرا أكبر مخرجا من الملة, وأما التارك لها كسلا فقد اختلفوا فيه, فقال بعضهم: هو أيضا كافر كفرا أكبر مخرجا من الملة استدلالا بهذا الحديث, وذهب آخرون إلى أنه كافر كفرا أصغر, فعلى القول الأول لا تقبل زكاة تارك الصلاة لأن الكفر محبط لجميع الأعمال, كما يدل عليه قول الله تعالى { وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ... } التوبة : 54 وكما قال تعالى { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ } إبراهيم : 18 , وقال تعالى : { والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } [ النور : 39 ] وقال تعالى { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ } [آل عمران: 117]، وقال تعالى: { ... لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } [البقرة: 264]. فهذه الآيات تدل على عدم انتفاع الكافر بما يعمل من الصالحات, ومنها النفقة, وأما على القول بأن تارك الصلاة كسلا ليس بكافر كفرا أكبر فيرجى أن يثاب على زكاته؛ فالأمر خطير - أيها السائل - فاتق الله تعالى, وأقم الصلاة فإنها عمود الدين, فهل يبقى من الدين شيء إذا سقط عموده؟ وانظر الفتوى رقم 176577عن تارك الصلاة.
وختاما: نسأل الله أن يهدي قلبك ويشرحه, ويوفقك للتوبة النصوح.
والله تعالى أعلم.