الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعليق الطلاق على ترك أمر ثم فعله

السؤال

حدث خلاف بسيط بيني وبين أمي, وحلفت على زوجتي بهذا اللفظ: "عليّ الطلاق لو نزلت وأكلت تحت ما أنتِ مراتي ولا تلزميني" وأنا لا أقدر أن أبتعد عن أمي وأخواتي فنزلت وأكلت معهم, مع العلم أني – واللهِ - أحب أمي وإخوتي وزوجتي, ولا أقصد الطلاق, ولكن خرج اللفظ مني هكذا, فما الحكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالجمهور على أن الحلف بالطلاق - سواء أريد به الطلاق, أو التهديد, أو المنع, أو الحث, أو التأكيد - يقع به الطلاق عند وقوع الحنث, وأنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع ثلاثًا،– وهو المفتى به عندنا - خلافًا لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي يرى أنّ حكم الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به تعليق الطلاق, وإنما يراد به التهديد أو التأكيد على أمر حكم اليمين بالله، فإذا وقع الحنث لزم الحالف كفارة يمين, ولا يقع به طلاق، وانظر الفتوى رقم: 11592, وهذه الصيغة التي تلفظت بها تسمى تعليق التعليق، وانظر الفتوى رقم: 164221.

وقولك لزوجتك: "ما أنت مراتي ولا تلزميني" كناية تحتمل الطلاق وغيره فينظر فيها إلى النية، ففي مصنف ابن أبي شيبة عن عروة بن قائد أن رجلًا قال لامرأته: إن فعلت كذا وكذا فلست لي بامرأة، ففعلت فانطلقت معه إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى فقال: ما نوى، وأتت معه أبا عبيد الله الهذلي فقال: ما نوى! وقال سعيد بن جبير: ليس بشيء", لكن الظاهر - والله أعلم - أن هذه العبارة تحمل على الطلاق لصدورها حال غضب, وشيوع استعمالها في الطلاق، قال ابن قدامة: "وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْفُرْقَةِ إلَّا نَادِرًا، نَحْوُ قَوْلِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ, وَاعْتَدِّي, وَاسْتَبْرِئِي, وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك, وَأَنْتَ بَائِنٌ, وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، أَنَّهُ يَقَعُ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَجَوَابُ سُؤَالِ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ." المغني لابن قدامة (7/ 389)
وعليه فما دمت قد حنثت في يمينك فقد وقع على زوجتك الطلاق عند من يرى وقوع الطلاق باليمين, والتعليق عند الحنث, أو حصول المعلق عليه إذا اعتبرنا أن هذه الكناية لها حكم الصريح، فإن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية فلك مراجعة زوجتك قبل انقضاء عدتها، ولمعرفة ما تحصل به الرجعة راجع الفتوى رقم: 54195.
وأما إن كانت هذه هي الطلقة الثالثة فإنها تبين منك بينونة كبرى, ولا تملك رجعتها إلا إذا تزوجت زوجًا غيرك – زواج رغبة, لا زواج تحليل - ويدخل بها الزوج ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه.
والأولى في مثل هذه المسائل أن تعرض على المحكمة الشرعية, أو على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوقين, كما ننصحك بالابتعاد عن الحلف بالطلاق لثبوت النهي عنه, ولأنه من أيمان الفساق, وراجع الفتوى رقم: 58585.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني