الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حلف على زوجته بالطلاق ثلاثا أن ينزلها مصر، وليس له نية الآن

السؤال

أفتوني في الحلف بالطلاق لحظة الغضب الشديد؛ حيث أقيم أنا وزوجتي بالسعودية وحدث خلاف شديد بيننا, وحلفت عليها بالطلاق بالثلاثة أني سأنزلها مصر, وليست لي نية لذلك الآن, وكان ذلك وقتها مجرد عناد, أو تهديد في لحظة غضب شديد جدًّا, وأنا الآن لا أريد إنزالها, فما الحكم إن لم تنزل وبقيت معي بالسعودية؟ مع العلم أنها اقتنعت ووافقت على البقاء, وبنفس الحلف حلفت أنها لن تدخل شقتنا في مصر طالما كنت غير موجود, أي أنها ستذهب لأهلها إن نزلت مصر, فما الحكم في مثل هذه الحالة؟
أرجو الإفتاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالغضب لا يمنع وقوع الطلاق, إلا أن يكون شديدًا قد غلب على عقل صاحبه بحيث لا يدري ما يقول، وراجع الفتوى رقم: 98385.
فإن كنت تلفظت بالطلاق مدركًا لما تقول فلا عبرة بالغضب، فإذا حنثت في يمينك وقع طلاقك ثلاثًا, وهذا مذهب الجمهور, وهو المفتى به عندنا, خلافًا لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الذي يرى أن يمين الطلاق التي لا يراد بها إيقاع الطلاق وإنما يراد التأكيد أو الحث أو المنع من أمر معين لا يقع بها طلاق, وإنما تلزم الحالف كفارة يمين إذا حنث، ويرى أن الطلاق بلفظ الثلاث يقع واحدة، وانظر الفتوى رقم: 11592.

والراجح عندنا أن العبرة في اليمين بنية الحالف وقصده فيما يحتمله اللفظ، فالنية تخصص العام, وتقيد المطلق, والعكس، قال ابن قدامة - رحمه الله - في المغني : " وجملة ذلك أن مبنى اليمين على نية الحالف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله انصرفت يمينه إليه، سواء كان ما نواه موافقًا لظاهر اللفظ، أو مخالفًا له، .......، والمخالف يتنوع أنواعًا؛ أحدها: أن ينوي بالعام الخاص، مثل: أن يحلف لا يأكل لحمًا ولا فاكهة, ويريد لحمًا بعينه، وفاكهة بعينها, ومنها: أن يحلف على فعل شيء أو تركه مطلقًا، وينوي فعله أو تركه في وقت بعينه..... "

وعليه؛ فإن كنت قصدت بيمينك أن تبعث زوجتك الى بلدها في مدة معينة من الزمن، فإنك إذا لم تبعثها حتى انقضت تلك المدة، وكذلك إذا ذهبت لبلدها ودخلت بيتك في غير وجودك وقع عليها الطلاق الثلاث، أما إذا كنت لم تنو وقتًا لنزول زوجتك إلى بلدها فإنها تطلق في آخر أوقات الإمكان, وهو وقت موت أحدكما، ويرى المالكية أن الحالف إذا عزم على عدم فعل المحلوف عليه حصل الحنث فور العزم، قال ابن قدامة الحنبلي - رحمه الله - في المغني: " وكذلك لو قال: إن لم أعتق عبدي، أو إن لم أضربه، فامرأتي طالق, وقع بها الطلاق في آخر جزء من حياة أولهم موتًا, فأما إن عين وقتا بلفظه، أو بنيته، تعين، وتعلقت يمينه به " وقال عليش المالكي - رحمه الله - في منح الجليل شرح مختصر خليل: " وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ كَعَدَمِ الْفِعْلِ, فَفِي الْجَوَاهِرِ: إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ الْيَأْسِ، أَوْ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ التَّزْوِيجِ"
والذي ننصحك به أن تعرض مسألتك على المحكمة الشرعية, أو على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوقين، كما ننصحك باجتناب الحلف بالطلاق؛ لأنه من أيمان الفساق, وقد يترتب عليه ما لا تحمد عقباه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني