الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحلف بالطلاق يتوقف حكمه على معرفة قصد الزوج

السؤال

زوجي حلف عليّ يمينًا بالطلاق منذ عامين أن لا أدخل مواقع الأزياء على الإنترنت ثانية؛ حيث إن ذلك كان يسلب مني الوقت بشكل ملحوظ، ونص ما قاله: (عليّ الطلاق إن دخلتِ على تلك المواقع - يقصد مواقع الأزياء- فلا أعرفك ثانية), وقد ندم على يمينه الآن؛ لأنه علم أنها وسيلة للتسلية وشغل الفراغ، وأنا أعرف أنها يمين لا يمكن الرجعة فيها - إن كان نص ما قاله يعني الطلاق - ولكن هل يجوز أن أدخل إلى مواقع أخرى لا تختص بالأزياء, ولكنها تحتوي على أبواب وروابط للأزياء؟ حيث إنني وقتها خشيت أنه يقصد الإنترنت بأكمله, وسألته فقال: إنني قصدت مواقع بعينها، فهل يجوز أن أعتبر المقصود من يمينه المواقع المختصة بالأزياء - كما فهمت منه وقتها - ويمينه لا يتضمن المواقع الإخبارية مثلًا, وبها أبواب وقنوات للأزياء, أو أي مواقع أخرى تخصصها في الأصل غير الأزياء ولكنها تشملها, فأقوم بالدخول إلى تلك المواقع غير المختصة, ومنها أدخل إلى أبواب وقنوات الأزياء, مع العلم أن يمينه هذا من حوالي عامين، وإن سألته عن ذلك اليمين فربما لا يتذكره أصلًا, وإن تذكره فلن يتذكر تفاصيله وماذا كان يقصد؛ لأنه كان على الإنترنت, وليس وجهًا لوجه, ومنذ فترة طويلة، فهل إن تأكد لي أنه نسي ما حلف عليه - كأن أسأله هل تذكر يمينك بالطلاق فيقول لي: لا أذكر مثلًا - يجوز تجاوز هذا اليمين لأنه نسيه؟ أم لا يجوز تجاهله لأنني أذكره, وإن ذكّرته به فربما يتذكر؟
معذرة للإطالة، بارك الله فيكم, وجعلكم ذخرًا للإسلام.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالجمهور على أن الحلف بالطلاق - سواء أريد به الطلاق, أو التهديد, أو المنع, أو الحث, أو التأكيد - يقع به الطلاق عند الحنث - وهو المفتى به عندنا - خلافًا لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي يرى أنّ حكم الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به تعليق الطلاق, وإنما يراد به التهديد, أو التأكيد على أمر حكم اليمين بالله، فإذا وقع الحنث لزم الحالف كفارة يمين, ولا يقع به طلاق، وانظري الفتوى رقم: 11592.

والمرجع في تعيين المحلوف عليه إلى نية الحالف، فإن كان زوجك قصد منعك من دخول مواقع معينة, فإن يمينه لا تتناول غيرها، وانظري الفتوى رقم: 35891.

وقول زوجك: "لا أعرفك ثانية" إن كان أراد به الطلاق فإنك إذا دخلت إلى المواقع التي منعك من دخولها يقع عليك الطلاق، وأما إن كان يقصد أمرًا آخر غير الطلاق كتوعدك بهجرك مثلًا أو نحو ذلك، ففي هذه الحال لا يقع الطلاق إلا بحصول أمرين: الأول: مخالفتك له في الدخول إلى المواقع التي منعك منها، والثاني: عدم إنفاذه الوعيد الذي توعدك به إذا خالفته، وانظري الفتوى رقم: 164221.

وعليه: فالحكم يتوقف على معرفة قصد الزوج، وإن كان الزوج ناسيًا تلفظه بالطلاق أو قصده بما تلفظ به، وكنت متيقنة من تلفظه بالطلاق فالعبرة - فيما بينك وبين الله - بما تعلمينه, ولا يسعك تجاهل ذلك، لكن على أية حال فإن كان زوجك لم يسبق له أن طلقك مرتين - فلم تكن هذه الطلقة هي المكملة للثلاث - فلا حرج عليك في البقاء مع زوجك, ولو تيقنت من وقوع هذه الطلقة؛ لأن الرجعة تحصل عند بعض العلماء بمجرد الجماع, ولو لم ينو الزوج الرجعة.

والذي ننصحك به أن تعرضي مسألتك على المحكمة الشرعية, أو على من تمكنكم مشافهته من أهل العلم الموثوقين في بلدكم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني