الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سافرت لبلد آخر وأهلها لا يردون على اتصالها ولا ينفقون عليها

السؤال

أنا بعيدة عن أهلي، ولا أستطيع الرجوع إليهم لأسباب إدارية؛ لأنهم يعيشون في فرنسا، وقد سافرتُ بعد تخرجي إلى بريطانيا، لأنه لا توجد فيها مشاكل الحجاب، وأقصد غطاء الرأس، وليس الجلباب أو النقاب.
ولكنهما لا يصرفان علي ولا يهمّهما أمري، وحتى إخوتي الذكور لا يصرفون علي حتى وإن كانت لديهم القدرة على ذلك. وأيضا منذ أشهر الوالدان لا يَردان على الهاتف.
فهل هذا عقوق؟ وهل إنّ الله سيعاقبني في الدنيا قبل الآخرة؟ وأيضا هناك أخ لي في نفس البلدة التي أسكن فيها، ولكنّه غير ملتزم ولا يُصلي، رغم أنّه لا يتعاطى السجائر أو ما شابه. ولا أسكن معه، وهو يسكن مع أولاد. وعند ما أطلب منه أن يعينني يستهزئ بي، ويقول لي: اذهبي إلى جماعتك (يقصد المتدينين). مع العلم أني بنت واحدة في العائلة والبقية كلهم ذكور، وذهبت إلى أئمة لكي يجدوا لي زوجا صالحا، ولكنهم لم يجدوا زوجا مناسبا لي إلى الآن، رغم أني متعلمة، ولدي حظ من الجمال والحمد لله، ونحن غالبا في عائلتنا لا نتصل ببعض بالنسبة للأقارب وحتى الأشد قرابة كالعمة والعم والخالة. وأنا لا أتصل بهم عبر الهاتف ولا أسأل عن أحد، ولا يهمني أمرهم.
فهل هذا قطع للرحم؟ فأنا الآن يمكن سأبقى مع الناس، أو أجد شخصا صالحا من أهل الخير يعينني على السكن والعمل، إلى أن ييسر الله شيئا آخر.
فأنا الآن أسأل الناس وأفسر لهم مشكلتي، والله فقط هو الذي يحفظني، وأيضا إخوتي الذكور لا يُعاملونني جيدا، وهم يجرحونني عند ما يتحدثون إليّ وأنا لا أحبهم ولا أحب أحدا من عائلتي؛ لذلك أردتُ أن أتزوج وأبتعد عنهم؛ لأن والدي لا يبحث لي عن زوج، فأنا فقط آخذ بالأسباب رغم أني لا أخالط كثيرا. إن شاء الله أتزوج ولن أستدعي أحدا، ولن أقبلهم، ولن أرحب بهم لا من زوجاتهم ولا من أولادهم. وفقط السلام السلام أو أقل من 30 دقيقة يبقون معي. وسيُعينني الله من غيرهم بإذن الله كما أعانني سابقا.
فما حكم الشارع هنا وفي هذه الحالة؟ وجزاكم الله خيرا.
هل يمكن أن تردّوا علي ردا خاصا. بارك الله فيكم وأرجو الدعاء لي بالخير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم تبيني لنا إن كان قد حصل منك تقصير تجاه والديك، أو إيذاء لهما بقول أو فعل، أو معصية لأمرهما لك في معروف، حتى نحكم بأنه قد حصل منك عقوق أم لا. لكن نقول: عليك أن تلتمسي العذر لوالديك في عدم الرد على الهاتف، واعلمي أن من العقوق أن يسافر الولد سفرا يشق على والديه مع كونه ليس واجبا عليه، وليس ثمة مصلحة راجحة له تترتب عليه؛ وراجعي الفتوى رقم: 73463. فإن كان في هذا السفر مصلحة راجحة كدفع الضرر فلا يعد عقوقا؛ ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 76303 ففيها بيان ضابط العقوق. ولم نفهم على وجه التحديد ما تعنين بقولك: لا يوجد فيها مشاكل الحجاب، وأقصد غطاء الرأس وليس الجلباب أو النقاب ". هذا أولا.

ثانيا: بالنسبة للنفقة إن لم يكن لك مال، فنفقتك واجبة على أبيك، فنفقة البنت التي لا مال لها، وليست بذات زوج واجبة على أبيها. وتراجع الفتوى رقم: 179233. فإن امتنع الأب أو عجز عنها ينتقل الوجوب إلى الأخ؛ لأن نفقة الأخت واجبة على أخيها إن استطاع ذلك عند بعض أهل العلم؛ كالحنفية والحنابلة خلافاً للمالكية والشافعية، كما في الفتوى رقم: 44020. فإن أبى الجميع الإنفاق عليك، فابحثي عن عمل مناسب تكسبين منه مالاً تعفين به نفسك عن الحاجة إلى الآخرين.

وهذا الأخ الذي ذكرت أنه لا يصلي، ويستهزيء بك. عليك أن تناصحيه بالمعروف، وبيني له خطورة ترك الصلاة والاستهزاء، وخاصة إن كان استهزاء بالشخص لأجل تدينه، فإنه أمر خطير ربما أدى بصاحبه إلى الكفر. وراجعي الفتويين: 1145 - 118350.

ثالثا: صلة الرحم واجبة بما يتيسر، ويرجع في ذلك إلى العرف كما بينا بالفتوى رقم: 108442 وترك الصلة بالكلية قطيعة للرحم، وقد ورد فيها الوعيد الشديد؛ وراجعي الفتوى رقم: 116567.

رابعا: على الفتاة إن كانت بعيدة عن أهلها أن تسكن في مكان تأمن فيه على نفسها. وعليها قدر الإمكان اجتناب الوحدة؛ وانظري الفتويين: 54823 - 47066.

خامسا: محادثة المرأة للرجل الأجنبي، جائزة، بشرط أن تراعي الضوابط الشرعية في ذلك من عدم الخلوة أو الخضوع في القول ونحو ذلك. قال تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا {الأحزاب:32}.

قال ابن كثير في تفسيره: قال السدي وغيره: يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال، ولهذا قال تعالى: (فيطمع الذي في قلبه مرض) أي: دغل. (وقلن قولاً معروفاً) قال ابن زيد: قولاً حسناً جميلاً معروفاً في الخير، ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها .اهـ.

سادسا: إن قدر لك أن وجدت رجلا صالحا يتزوجك، فلا يصح الزواج إلا بإذن وليك، فإن امتنع فارفعي الأمر إلى أحد المراكز الإسلامية، ليزوجوك إن ثبت عندهم عضل الولي. وراجعي شروط صحة النكاح بالفتوى رقم: 1766.

ونوصيك بالعفو عن أهلك ومسامحتهم ودعوتهم إلى النكاح. ففي النكاح مصاهرة وتعارف بين أهل الزوج وأهل الزوجة. وراجعي في فضل العفو الفتوى رقم: 27841.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني