الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من قال لزميله: طلاق ثلاثة أن لا تمر من أمامي.. فمر أمامه

السؤال

قلت لزميلي باللفظ دون قصد: طلاق ثلاثة أن لا تمر من أمامي ـ ولا أدري ماذا قلت، ولم أقصد بها شيئا، وبعدها بخمس دقائق فعل ما قلته له، وهذه أول مرة في حياتي أنطق بهذا اللفظ، فما الحكم في النطق بهذا اللفظ إن لم يفعل؟ وما الحكم إن فعل بعدها بدقائق؟ أفيدوني أفادكم الله، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالجمهور على أن الحلف بالطلاق ـ سواء أريد به الطلاق، أو التهديد، أو المنع، أو الحث أو التأكيد ـ يقع به الطلاق عند وقوع الحنث، وأنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع ثلاثاً ـ وهذا هو المفتى به عندنا ـ لكن بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يرى أنّ حكم الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به تعليق الطلاق، وإنما يراد به التهديد، أو التأكيد على أمر، حكم اليمين بالله، فإذا وقع الحنث لزم الحالف كفارة يمين، ولا يقع به طلاق، وعند قصد الطلاق يرى أنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع واحدة، وانظر الفتوى رقم: 11592.
وقولك: طلاق ثلاثة ـ حلف بصريح الطلاق، جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير: وَلَفْظُهُ الصَّرِيحُ الَّذِي تَنْحَلُّ بِهِ الْعِصْمَةُ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ حَلَّهَا مَتَى قَصَدَ اللَّفْظَ الطَّلَاق، كَمَا لَوْ قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي، أَوْ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ، أَوْ: أَنْتِ الطَّلَاقُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ وَطَلَاقٌ بِالتَّنْكِيرِ، أَيْ: يَلْزَمُنِي، أَوْ: عَلَيْك، أَوْ: أَنْتِ طَلَاقٌ، أَوْ: عَلَيَّ طَلَاقٌ، وَسَوَاءٌ نَطَقَ بِالْمُبْتَدَأِ كَأَنْتِ، أَوْ بِالْخَبَرِ كَعَلَيَّ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ، وَالْمُقَدَّرُ كَالثَّابِتِ.

وكونك حلفت بغير قصد، فإن كنت تعني أنك تلفظت خطأ غير قاصد للفظ، كما لو سبق لسانك إليه، فلا يقع الطلاق حينئذ، قال ابن قدامة رحمه الله: قال أبو بكر: لا خلاف عن أبي عبد الله، أنه إذا أراد أن يقول لزوجته: اسقيني ماء، فسبق لسانه، فقال: أنت طالق، أو أنت حرة، أنه لا طلاق فيه. وانظر الفتوى رقم: 53964.

لكن الظاهر ـ والله أعلم ـ أنك تعني أنك لم تقصد به طلاقا، ولكن قصدت به اليمين، وعليه فالمفتى به عندنا أنك إذا كنت حنثت في يمينك فقد وقع الطلاق الثلاث على زوجتك، وإذا لم تحنث، فلا شيء عليك، وأما على قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فإنك إذا حنثت لزمتك كفارة يمين، وهي مبينة في الفتوى رقم: 2022.

واعلم أن حصول الحنث في يمينك يتوقف على معرفة ما قصدته بيمينك، فالنية تخصص العام وتقيد المطلق، قال ابن قدامة رحمه الله: وجملة ذلك أن مبنى اليمين على نية الحالف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله، انصرفت يمينه إليه، سواء كان ما نواه موافقا لظاهر اللفظ، أو مخالفا له...... والمخالف يتنوع أنواعا: أحدها: أن ينوي بالعام الخاص، مثل أن يحلف لا يأكل لحما ولا فاكهة، ويريد لحما بعينه، وفاكهة بعينها، ومنها: أن يحلف على فعل شيء أو تركه مطلقا، وينوي فعله أو تركه في وقت بعينه.....

فإن كنت قصدت منع صاحبك من المرور أمامك في نفس وقت الحلف فقط، فمروره بعد هذا الوقت لا يحصل به الحنث، أما إذا قصدت منعه من المرور مطلقا أو خلال زمن يزيد على خمس دقائق، فقد حصل الحنث بمروره بعد خمس دقائق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني