السؤال
ما حكم الزواج من رجل كثير الاغترار بنفسه؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام قد ندب المرأة وأهلها إلى أن يزوجوا ذا التقوى، كما في الحديث: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد. أخرجه الترمذي.
فحري بالمسلمة أن تمتثل هذا التوجيه النبوي ففيه ـ بإذن الله ـ سعادتها في الدارين، وإن كان المقصود بالغرور الكبرياء والعجب، فهما من كبائر الذنوب القلبية، قال الحجاوي في نظم الكبائر:
وأمن لمكر الله ثم قطيعة لذي رحم، والكبر والخيلا اعدد.
وقد سبق بيان خطرهما في الفتويين رقم: 24081، ورقم: 32856.
وداء الكبرياء ينافي كمال الدين الواجب، والزواج بالمتكبر قد يؤثر على نجاح الحياة الزوجية، فالمتكبر قل أن يحسن صحبة أحد، فهو قاسي القلب لا يكاد يرحم أحدا، ولا يشكر محسنا، ولا يعفو عن مسيء، وأما حكم التزوج بالمتكبر ونحوه من الفساق: فيقال فيه: إن جمهور العلماء على جواز قبول الفاسق زوجا، فقد ذكروا أن من خصال الكفاءة الدين، وجعلوها شرطا للزوم النكاح وليس شرطا لصحته، فهي حق للمرأة والولي، ولهما إسقاطه، جاء في شرح المنهج من كتب الشافعية: فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح لا لصحته، بل لأنها حق للمرأة والولي، فلهما إسقاطها لو زوجها غير كفء برضاها ولي منفرد، أو أقرب كأب وأخ، أو بعض أولياء مستوين كإخوة وأعمام رضي باقوهم، صح لتركهم حقهم، قال الجمل في حاشيته: قَوْلُهُ صَحَّ ـ أَيْ التَّزْوِيجُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلامِ: يُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً مِنْ فَاسِقٍ إلا لِرِيبَةٍ تَنْشَأُ مِنْ عَدَمِ تَزْوِيجِهَا لَهُ كَأَنْ خِيفَ زِنَاهُ بِهَا لَوْ لَمْ يَنْكِحْهَا أَوْ يُسَلِّطُ فَاجِرًا عَلَيْهَا. اهـ.
وقال ابن هبيرة: واختلفوا في قيد الكفاءة، هل يورد في إبطال النكاح؟ فقال أبو حنيفة: فقد الكفاءة يوجب للأولياء حق الاعتراض، وقال مالك: لا يبطل النكاح فقدها، وعن الشافعي قولان: الجديد منهما: أنه يبطل النكاح عدمها، والقديم: لا يبطل وعن أحمد روايتان، أظهرهما: أنه يبطل النكاح فقدها، والآخر: لا يبطله فقدها وتقف على إجازة الأولياء واعتراضهم. اهـ.
وذهب بعض العلم إلى عدم جواز إنكاح الفاسق، ففي حاشية الدسوقي المالكي: وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ ظَاهِرَ مَا نَقَلَهُ ح وَغَيْرُهُ وَاسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ ابْنُ رَحَّالٍ مَنْعُ تَزْوِيجِهَا مِنْ الْفَاسِقِ ابْتِدَاءً, وَإِنْ كَانَ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَلا لِلْوَلِيِّ الرِّضَا بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، لأَنَّ مُخَالَطَةَ الْفَاسِقِ مَمْنُوعَةٌ وَهَجْرُهُ وَاجِبٌ شَرْعًا، فَكَيْفَ بِخُلْطَةِ النِّكَاحِ، فَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ وَتَزَوَّجَهَا فَفِي الْعَقْدِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: لُزُومُ فَسْخِهِ لِفَسَادِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَابْنُ سَلْمُونٍ، الثَّانِي: أَنَّهُ صَحِيحٌ وَشَهَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، الثَّالِثُ لأَصْبَغَ: إنْ كَانَ لا يُؤْمَنُ مِنْهُ رَدَّهُ الإِمَامُ, وَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ، وَظَاهِرُ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّ الْقَوْلَ الأَوَّلَ هُوَ الرَّاجِحُ. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني