الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علق طلاق امرأته على أمر ففعلته جاهلة

السؤال

حدثت مشكلة بيني وبين زوجتي عبر الهاتف، حيث أقيم في بلد آخر بعيد عن زوجتي، فرفضت أن تكمل الحوار وأغلقت هاتفها، فاشتد غضبي واتصلت بأختها الكبرى وأبلغتها أن تخبرها أنها إذا خرجت من شقتها أو فتحت هاتفها، أو إذا لم يذهب ابني إلى أهلي يوم الجمعة كالمعتاد فهي طالق، فخرجت من شقتها لزيارة أختها في نفس المنزل، ولكنها لم تخرج من المنزل، لأن أختها قد أخبرتها أنني أقسمت على الخروج من المنزل، ومن شدة غضبي لا أتذكر هل قلت المنزل أم الشقة؟ وكانت نيتي الشقة، ولم أحدد وقتا معينا لانتهاء القسم ولا كان في نيتي التحديد،علما بأن سبب القسم أنها أغضبتني عندما قفلت هاتفها ولم تكمل الحديث معي، فهل يحل إذا تراضينا أن آذن لها في كل ما أقسمت عليها به، قام أهلي بتغيير موعد الزيارة إلى يوم آخر بدلا من الجمعة، فهل يحل أن يذهب ابني سواء بمرافقة زوجتي أو شخص آخر في هذا اليوم، علما بأنني أقسمت على يوم الجمعة، وكانت نيتي اليوم الذي يتم التجمع فيه عند أهلي، ولم أحدد طريقة ذهابه مع زوجتي أو مع شخص آخر، أقسمت كعقاب لها، وبهدف منعها من الخروج وفتح الهاتف، وإجبارها على إرسال ابني زيارة لأهلي، وكان بداخلي أن يقع الطلاق في حالة عدم التزامها.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأكثر أهل العلم على أن الزوج إذا علّق طلاق زوجته على شرط فإنه لا يملك التراجع عنه، وإذا تحقق شرطه طلقت زوجته سواء قصد الزوج إيقاع الطلاق، أو قصد مجرد التهديد، أو التأكيد، أو المنع، وهذا هو المفتى به عندنا، لكن بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يرى أن الزوج إذا قصد إيقاع الطلاق عند حصول المعلق عليه فله أن يتراجع عن التعليق ولا شيء عليه، وإذا لم يقصد إيقاع الطلاق، وإنما قصد بالتعليق التهديد، أو التأكيد، أو المنع، فلا يقع الطلاق بحصول المعلق عليه، وإنما تلزمه كفارة يمين، وانظر الفتوى رقم: 161221.

وعليه، فالمفتى به عندنا أنك إذا حنثت في يمينك وقع الطلاق على زوجتك، والمرجع فيما يحصل به الحنث إلى نيتك فيما تلفظت به، قال ابن قدامة رحمه الله: وجملة ذلك أن مبنى اليمين على نية الحالف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله انصرفت يمينه إليه، سواء كان ما نواه موافقا لظاهر اللفظ، أو مخالفا له...... والمخالف يتنوع أنواعا: أحدها: أن ينوي بالعام الخاص، مثل أن يحلف لا يأكل لحما ولا فاكهة، ويريد لحما بعينه، وفاكهة بعينها، ومنها، أن يحلف على فعل شيء أو تركه مطلقا، وينوي فعله أو تركه في وقت بعينه.....

فإذا كانت نيتك منع زوجتك من الخروج من الشقة، فقد وقع الطلاق بخروجها منها، لكن ما دامت خرجت جاهلة بأنها ممنوعة من الخروج من الشقة، ففي وقوع الطلاق خلاف، والراجح ـ والله أعلم ـ أنه لا يقع، جاء في غاية البيان شرح زبد ابن رسلان: ولو علق بفعل نفسه كإن دخلت الدار ففعل المعلق به ناسيا، أو جاهلا أنه هو، أو مكرها لم تطلق، أو بفعل غيره ممن يبالي بتعليقه لصداقة، أو نحوها، وعلم به أو لم يعلم وقصد إعلامه به وفعله ناسيا، أو مكرها، أو جاهلا، لا يقع الطلاق.
وقال البهوتي الحنبلي: فمن حلف على زوجته أو نحوها لا تدخل دارا فدخلتها مكرهة لم يحنث مطلقا، وإن دخلتها جاهلة أو ناسية فعلى التفصيل السابق، فلا يحنث في غير طلاق وعتاق، وفيهما الروايتان.

وإذا كنت قاصدا زيارة ولدك للأهل في اليوم الذي يجتمعون فيه، فلا تقيد يمينك بيوم الجمعة، وإنما تبر بزيارته في اليوم الذي يجتمعون فيه، وإذا كنت لم تنو بيمينك زمنا ولا يقتضي سبب اليمين التقيد بزمن، فالظاهر ـ والله أعلم ـ أنه لا يتقيد بزمن، لأن لفظك مطلق، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في العمدة: فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها، فيقوم مقام نيته لدلالته عليها، فإن عدم ذلك حملت يمينه على ظاهر لفظه.

وننبهك إلى أن يمينك تنحل بالحنث مرة واحدة، وانظر الفتوى رقم: 136912.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني