الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من قال والله لا أزيح الرمل وإن أزحته فعلي على كل كف أزيحه بيدي صوم أسبوع فأزاحه بقدمه

السؤال

اختلفت مع أخي في أمر ما - وهو الرمل - حيث وضعت مقدارًا من الرمل في مكان مخصص, وأراد أخي أن ينقله إلى مكان آخر, فنهيته فانتهى, وخفت أن يزيحه في غيابي فحلَّفته, فقال: "والله لا أزيحه, وإن أزحته فعلي على كل كف أزيحه بيدي صوم أسبوع كامل" فذهبت فقام بإزاحته بقدمه, حيث بدأ يدفعه بقدمه فأزاله, وهو يريد الآن أن يعرف هل عليه أن يدفع كفارة؛ لأنه لم يزحه بيده, بل بقدمه؟ والكفارة كبيرة جدًّا, لأن مقدار الرمل على الأقل 300 كف, فماذا يفعل الآن؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن حلف لغيره على أمر، فإن نية هذا اليمين والقصد منه يرجع فيهما إلى المستحلف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: يمينك على ما يصدقك به صاحبك. رواه مسلم، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 193177، 15616، 9957.
وعلى ذلك فذكر اليد في اليمين لا اعتبار له، ولو نوى الحالف تخصيص كلامه بها، مراعاة لما يصدقه به صاحبه؛ عملًا بالحديث، قال ابن الجوزي في كشف المشكل: معنى الحديث: أنك إذا تأولت في يمينك لم ينفعك تأويلك. اهـ.
وقال القاري في مرقاة المفاتيح: "صاحبك" أي: خصمك ومدعيك ومحاورك، والمعنى أنه واقع عليه لا يؤثر فيه التورية، فإن العبرة في اليمين بقصد المستحلف إن كان مستحقًا لها، وإلا فالعبرة بقصد الحالف فله التورية, هذا خلاصة كلام علمائنا من الشراح. اهـ.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: فيه دليل على أن الاعتبار بقصد المحلف من غير فرق بين أن يكون المحلف هو الحاكم أو الغريم، وبين أن يكون المحلف ظالمًا أو مظلومًا، صادقًا أو كاذبًا, وقيل: هو مقيد بصدق المحلف فيما ادعاه، أما لو كان كاذبًا كان الاعتبار بنية الحالف, وقد ذهبت الشافعية إلى أن تخصيص الحديث بكون المحلف هو الحاكم، ولفظ "صاحبك" في الحديث يرد عليهم، وكذلك ما ثبت في رواية لمسلم بلفظ: «اليمين على نية المستحلف» اهـ.
وعلى ذلك؛ فقول أخيك: (إن أزحته فعليَّ على كل كف أزيحه بيدي صوم أسبوع كامل) لا يلغيه إزاحته بقدمه, أو بأي شيء آخر, وهذا الكلام يدخل في ما يعرف بنذر اللجاج، وهو الذي يخرج مخرج اليمين، بأن يمنع نفسه أو غيره من شيء، أو يحث نفسه أو غيره على شيء، وهذا النذر لا يلزم الوفاء به، ويكفيه منه أن يكفر كفارة يمين عند وقوع ما علق عليه, وراجع في ذلك الفتويين: 70350، 17762.
هذا مع وجوب الكفارة عن اليمين الأصلي في قوله: (والله لا أزيحه), فيكون بذلك عليه كفارتان.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني