الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إدراك الركوع مع الإمام معتبر, بأن يجتمع المأموم مع الإمام قبل أن يزول عن قدر الإجزاء من الركوع، وقدر الإجزاء هو الانحناء, بحيث يمكنه وضع يديه على ركبتيه - ولو لم يضعهما - وليس إدراك الركوع معتبرًا بتسميع الإمام، جاء في الإقناع وشرحه: (ومن أدرك الركوع معه) أي: الإمام (قبل رفع رأسه) من الركوع، بحيث يصل المأموم إلى الركوع المجزئ قبل أن يزول الإمام عن قدر الإجزاء منه (غير شاك في إدراكه) أي: الإمام (راكعًا أدرك الركعة, ولو لم يدرك معه الطمأنينة إذا اطمأن هو) أي: المسبوق ثم لحقه؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئًا, ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة" رواه أبو داود بإسناد حسن, ولأنه لم يفته من الأركان غير القيام, وهو يأتي به مع التكبيرة, ثم يدرك مع الإمام بقية الركعة، وعلم منه أنه لو شك: هل أدركه راكعًا أو لا؟ لم يعتد بها ويسجد للسهو وتقدم في بابه. اهـ
وقدر الإجزاء في الركوع بينه الحجاوي بقوله: وقدر الأجزاء انحناؤه بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه نصًا, إذا كان وسطًا من الناس, لا طويل اليدين ولا قصيرهما، وقدره في حقهما، قال المجد: بحيث يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل. اهـ
وعليه, فينبغي عليك النظر إلى الإمام قبل الدخول, فإن أدركت القدر الواجب من الركوع قبل انفصاله عنه فقد أدركت الركوع, وإلا فلا، وإذا شككت في إدراك الركوع فلا تعتد به؛ لأن الأصل عدم الإدراك، وراجع للفائدة الفتويين: 46951 100763.
وأما تكبيرات الانتقال فقد اختلف العلماء في حكمها، وقد بينا أقوالهم في الفتوى رقم: 144847, وجمهور العلماء على أنها سنة وليست بواجبة، قال ابن هبيرة: واتفقوا على الذكر في الركوع وهو: سبحان ربي العظيم، وفي السجود وهو: سبحان ربي الأعلى، والتسميع والتحميد وهو: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد إلى آخره في الرفع من الركوع، وسؤال المغفرة بين السجدتين، وبالتكبيرات مشروع كله, ثم اختلفوا في وجوبه, قال أبو حنيفة, ومالك, والشافعي: كل ذلك سنة, وقال أحمد في الرواية المشهورة عنه: أن ذلك واجب مع الذكر, وروي عنه أنه سنة كمذهب الجماعة. اهـ.
والمشروع في تكبيرات الانتقال أن تكون مقارنة له, فلا يبدأ بالتكبير قبل الانتقال, ولا يتمه بعده، والمشهور في مذهب الحنابلة - القائلين بوجوبها - أن تكبير الانتقال إن أُتي بجزء منه في غير موضع الانتقال فإنه لا يجزئ، واختار جمع من المحققين في المذهب إجزاءه، جاء في الإنصاف للمرداوي: قال المجد في شرحه، وصاحب مجمع البحرين، والحاوي الكبير، وغيرهم: ينبغي أن يكون تكبير الخفض والرفع والنهوض ابتداؤه مع ابتداء الانتقال، وانتهاؤه مع انتهائه, فإن كمله في جزء منه أجزأه؛ لأنه لا يخرج به عن محله بلا نزاع, وإن شرع فيه قبله، أو كمله بعده، فوقع بعضه خارجًا عنه، فهو كتركه؛ لأنه لم يكمله في محله, فأشبه من تمم قراءته راكعًا، أو أخذ في التشهد قبل قعوده, ويحتمل أن يعفى عن ذلك؛ لأن التحرز منه يعسر، والسهو به يكثر، ففي الإبطال به أو السجود له مشقة, قال ابن تميم: فيه وجهان، أظهرهما: الصحة، وتابعه ابن مفلح في الحواشي, قلت: وهو الصواب. اهـ.
وعلى هذا, فصلاة من يأتي بتكبيرات الانتقال في غير محلها صحيحة - إن شاء الله - والصلاة خلفه جائزة, وقد سبق أن أفتينا بذلك في الفتوى رقم: 26670.
والله أعلم.