السؤال
لقد ذكرتم حضراتكم في الفتوى رقم: 74685، والتي بعنوان: سرقة برامج الكفار المعاهدين أو المستأمنين حرام: ولا يبيح سرقة برامج هذه الشركات كونها تعلم أنها مسروقة على مستوى عالمي طالما أنها لا تأذن في نسخها واستخدامها في الأغراض التجارية، وسؤالي هو: ما حكم سرقة البرامج لو كانت الشركة داعمة للكفار المحاربين؟! وهل ذلك يثاب عليه لو نوى في ذلك إحداث خسائر بالأعداء ومعاونيهم، الرجاء الرد مباشرة بدون تحويلي إلى فتاوى سابقة غير مباشرة، لأنني سألت من قبل في نفس الموضوع وأحلتموني على الفتاوى رقم: 74685.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد
فبداية ننبه على أن الأحكام المتعلقة بالكفار الحربيين لا تتحقق إلا مع مشروعية الجهاد، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 174343.
وأموال الحربيين ليست مباحة هكذا بإطلاق، وعلى أية حال! فلا يجوز أن تؤخذ منهم غدرا، وإنما تؤخذ على سبيل المغالبة والقهر، ففي قصة المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: عندما صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: أي لا أتعرض له، لكونه أخذه غدرا، ويستفاد منه أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدرا، لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة، والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا، وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة. اهـ.
وقال الخطابي في معالم السنن: فيه دليل على أن أموال أهل الشرك وإن كانت مباحة للمسلمين مغنومة إذا أخذوها منهم قهراً، فإنها ممنوعة بالأمان لهم مردودة إلى أربابها إذا أخذت في حال المسالمة والأمان. اهـ.
وقال ابن المنذر في الأوسط: إذا دخل الرجل دار الحرب بأمان فهو آمن بأمانهم، وهم آمنون بأمانه, ولا يجوز له أن يغدر بهم ولا يخونهم ولا يغتالهم، فإن أخذ منهم شيئا، فعليه رده إليهم، فإن أُخرج منه شيء إلى دار الإسلام وجب رد ذلك إليهم، وليس لمسلم أن يشتري ذلك ولا يتلفه، لأنه مال له أمان. اهـ.
والدعم المالي للكفار الحربيين من شركة منتجة للبرمجيات، لا يبيح سرقة برامجهم هكذا بإطلاق، فإن الاتجار في المباحات مع الحربيين أنفسهم جائز في غير السلاح ونحوه عند جمهور أهل العلم، جاء في الموسوعة الفقهية: تدل عبارات الفقهاء على جواز الاتجار مع الحربيين... ولكن لا يجوز إمداد المحاربين بما يقويهم من السلاح والآلات والمواد التي يصنع منها السلاح، كما لا يجوز السماح بالاتجار بالمحظورات الشرعية كالخمور والخنازير وسائر المنكرات، لأنها مفاسد ممنوعة شرعا... والأدلة على جواز التصدير من بلادنا، منها: حديث ثمامة بن أثال الحنفي بعد أن أسلم، فإنه قال لأهل مكة حين قالوا له: صبوت؟ فقال: إني والله ما صبوت، ولكني والله أسلمت، وصدقت محمدا صلى الله عليه وسلم وآمنت به، وأيم الله الذي نفس ثمامة بيده، لا تأتيكم حبة من اليمامة ـ وكانت ريف مكة ـ حتى يأذن فيها محمد صلى الله عليه وسلم، وانصرف إلى بلده ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يحمل إليهم الطعام، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فهذا يدل على جواز تصدير الأطعمة ونحوها إلى الأعداء، حتى ولو كانت حالة الحرب قائمة معهم. اهـ.
ولذلك، فالذي نراه أن يجتنب المسلم سرقة مثل هذه البرامج، لأن ذلك لا يكون على سبيل المغالبة والقهر؛ كما هو الحال في جهاد الكفار، بل فيه شبهه بالغدر والخديعة أوضح وأقرب.
والله أعلم.