الحمد لله, والصلاة والسلام على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه, ومن والاه, أما بعد:
فلا شك أن المال المكتسب من التجارة في الدخان مال محرم؛ لكونه مكتسبًا من بيع ما حرمه الله تعالى, جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: الدخان حرام، والكسب منه بيعًا, أو صناعة, أو ترويجًا, أو زراعة, ونحو ذلك, حرام. اهــ.
وقد سبق لنا أن بينا في عدة فتاوى حرمة التدخين, وحرمة المال المكتسب من التجارة فيه, وما يصنع به صاحبه, كما في الفتوى رقم: 45011, والفتوى رقم: 165743.
ولا سبيل لإصلاح هذا المال المحرم إلا التخلص منه بإنفاقه في وجوه الخير, من باب التخلص من المال الحرام, وليس من باب التصدق, فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا.
لكن إن أسلم الكافر وفي يده مال اكتسبه من بيع شيء محرم, فإن ما قبضه من ذلك المال قبل إسلامه يحل له الانتفاع به في قول بعض العلماء, وقال آخرون: يلزمه التصدق به, قال القرافي في الذخيرة: وَإِنْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ ثَمَنُ خَمْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الاسلام يجب مَا قبله ... اهــ , وجاء في منح الجليل لعليش المالكي: إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِ الْخَمْرِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، فَإِنْ قَبَضَهُ - أَيْ قَبْلَ إسْلَامِهِ - كَانَ لَهُ - وَلِسَحْنُونٍ - يَتَصَدَّقُ بِهِ مُطْلَقًا. اهــ
وأما إذا مات والدك فهل يحل لك ميراثه؟ فاعلم أولًا أنه إذا مات على الكفر - والعياذ بالله - فإنك لا ترثه؛ حتى وإن كان ماله حلالًا؛ لأنه لا توارث بين المسلم والكافر, ويرثه أقاربه ممن هم على دينه, وانظر الفتوى رقم: 201643.
كما أن المسلم إذا مات وعنده مال مكتسب من حرام: فإن الفقهاء اختلفوا فيما إذا كان يحل للورثة الانتفاع به أم لا؟
جاء في منح الجليل: وَاخْتُلِفَ فِي الْمَالِ الْمُكْتَسَبِ مِنْ حَرَامٍ - كَرِبًا, وَمُعَامَلَةٍ فَاسِدَةٍ - إذَا مَاتَ مُكْتَسِبُهُ عَنْهُ, فَهَلْ يَحِلُّ لِلْوَارِثِ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ - أَمْ لَا؟ اهــ.
والمفتى به عندنا أن الورثة لا ينتفعون به, كما في الفتوى رقم: 101521.
وإننا نوصيك - أخي السائل - أن تجتهد غاية الاجتهاد في دعوة والديك وأهل بيتك إلى الإسلام برفق وحكمة، فلعل الله تعالى أن ينقذهم بك من النار, وهم أحق الناس بنصحك, ولك أسوة في الخليلين إبراهيم، ومحمد - عليهما الصلاة والسلام - فقد اجتهد إبراهيم - عليه السلام - في دعوة أبيه إلى الإسلام, كما في سورة مريم, واجتهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في دعوة عمه أبي طالب إلى الإسلام؛ حتى آخر لحظة من حياته, واجتهد في دعوة أقاربه إلى الإسلام, حين أنزل عليه قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {الشعراء: 214} فقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصفا حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {الشعراء: 214} وقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ, أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا: اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ, لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا, يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ: لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا, يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا, وَيَا صَفِيَّةُ - عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ -: لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا, وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ: سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي, لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا. الحديث في الصحيحين.
والله تعالى أعلم.