الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكمة من تكرير كلمة الناس في سورة الناس

السؤال

ما الحكمة من تكرير كلمة الناس في سورة الناس - جزاكم الله خيرًا -؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن لله تعالى الحكمة البالغة في أسلوب القرآن، وما فيه من التكرار، ولم يكن الاشتغال باستكشاف أسرار أساليب التكرار، وما أشبهها من اهتمام السلف الأول في عهد الصحابة والتابعين، وقد تناولها بعض المتأخرين، فحاولوا التعرف على حكم ذلك، فذكروا مسائل اجتهادية معقولة المعنى، فمن ذلك ما قال الكرماني في كتابه أسرار التكرار في القرآن: قَوْله تَعَالَى {أعوذ بِرَبّ النَّاس} ثمَّ كرر النَّاس خمس مَرَّات، قيل: كرر تبجيلًا لَهُم على مَا سبق، وَقيل: كرر لانفصال كل آيَة من الْأُخْرَى؛ لعدم حرف الْعَطف، وَقيل: المُرَاد بِالْأولِ الْأَطْفَال، وَمعنى الربوبية يدل عَلَيْهِ، وَبِالثَّانِي: الشبَّان، وَلَفظ الْملك المنبئ عَن السياسة يدل عَلَيْهِ، وبالثالث: الشُّيُوخ، وَلَفظ إِلَه المنبئ عَن الْعِبَادَة يدل عَلَيْهِ، وبالرابع: الصالحون والأبرار، والشيطان يولع بإغوائهم، وبالخامس: المفسدون والأشرار، وَعطفه على المتعوذ مِنْهُم يدل على ذَلِك. اهـ

وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وعرف (رب) بإضافته إلى الناس دون غيرهم من المربوبين؛ لأن الاستعاذة من شر يلقيه الشيطان في قلوب الناس فيضلون ويضلون، فالشر المستعاذ منه مصبه إلى الناس، فناسب أن يستحضر المستعاذ إليه بعنوان أنه رب من يلقون الشر، ومن يلقى إليهم؛ ليصرف هؤلاء، ويدفع عن الآخرين، كما يقال لمولى العبد: يا مولى فلان، كف عني عبدك.
وقد رتبت أوصاف الله بالنسبة إلى الناس ترتيبًا مدرجًا، فإن الله خالقهم، ثم هم غير خارجين عن حكمه إذا شاء أن يتصرف في شؤونهم، ثم زيد بيانًا بوصف إلهيته لهم؛ ليتبين أن ربوبيته لهم وحاكميته فيهم، ليست كربوبية بعضهم بعضًا، وحاكمية بعضهم في بعض.

وفي هذا الترتيب إشعار أيضًا بمراتب النظر في معرفة الله تعالى، فإن الناظر يعلم بادئ ذي بدء بأن له ربًا يسبب ما يشعر به من وجود نفسه، ونعمة تركيبه، ثم يتغلغل في النظر، فيشعر بأن ربه هو الملك الحق الغني عن الخلق، ثم يعلم أنه المستحق للعبادة، فهو إله الناس كلهم.

وملك الناس عطف بيان من رب الناس، وكذلك إله الناس، فتكرير لفظ الناس دون اكتفاء بضميره؛ لأن عطف البيان يقتضي الإظهار؛ ليكون الاسم المبين (بكسر الياء) مستقلًا بنفسه؛ لأن عطف البيان بمنزلة علم للاسم المبين (بالفتح). اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني