الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقسام السر، وما يتعلق بكل قسم من أحكام وآداب

السؤال

هل يجوز للزوج إخبار والدته، أو أي شخص بشكل عام، عن أي شيء يخص علاقتنا الزوجية، فهناك خلاف بيني وبين زوجي، وأتمنى أن تفيدوني؛ حتى نستطيع حل الموقف بسلام، فنحن لم نرزق حتى الآن بأطفال؛ ومن ثم نواجه الأسئلة من هنا وهناك بخصوص هذا الموضوع، وخصوصًا والدتي ووالدته، أما عن والدتي: فأنا أحاول أن أقرأ عن ديني، وأعرف - على حسب علمي - أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال السماح لأي شخص - أيًّا كان - بالاطلاع على ما يخص حياتنا الزوجية - سواء كان كبيرًا، أم بسيطًا، أم ضئيلًا – ومن ثم - مراعاة الحقوق الزوجية - عندما تسألني والدتي أخبرها أن الله لم يرد بعد، وأن هذا رزق، وما إلى ذلك من كلمات؛ بحيث لا أغضبها مني، وفي نفس الوقت لا أخبرها بأسرارنا، فأنا أتضايق كثيرًا؛ لأن السؤال عن هذا الموضوع يتطرق بطبيعة الحال، إلى: هل الدورة الشهرية جاءت أم لا؟ هل تأخرت أم لا؟ وما إلى ذلك من أسئلة، وأشعر أن زوجي يخلط الأوراق - بره بوالدته، وما يخص حياتنا الزوجية - وأنا أعرف أن هناك خطًّا فاصلًا بين البر بالأهل، وبين اطلاعهم على ما يخصنا؛ بحجة أن لا نتسبب في إزعاجهم؛ فيكون الحل أن نرضيهم بأن يعرفوا عنا كل شيء، وعلمًا أني أحسن النية تمامًا تجاه هذه الأسئلة، وأعرف تمامًا أنها من باب الاطمئنان، وليس التدخل - سواء من ناحية والدتي أم والدته - ولكني أعرف مما قرأت أنه بإمكاننا احتواء المواقف، والهروب من السؤال عن أشياء خاصة بأسلوب راقٍ، يحفظ لنا بر أهلنا، وفي نفس الوقت لا يجعلنا نفشي أسرارنا، خصوصًا أن ما جعلني أبعث هذه الرسالة أن عادتي الشهرية تأخرت هذا الشهر، وكنا نتحدث - أنا وزوجي - وعرفت أن والدته سألته عن موضوع الإنجاب - ومن حقها أن تطمئن على ابنها – ولكن من الممكن أن يجيب بأن الله لم يرد بعد - يا أمي – أو إن شاء الله خيرًا، وما إلى ذلك، أما أن يقول لها: إن عادتي الشهرية متأخرة، فهذا اعتداء على حقوقي وأسراري الشخصية، خصوصًا أني لا أتحدث عن مثل هذه الأمور، إلا مع زوجي؛ حتى والدتي لا أتحدث معها؛ لأني لا أحب التطرق لمثل هذا؛ لأنها ستجر إلى ما لا يحمد، من تدخل في لا يليق، "كتأخرت ربما حدث حمل، ومن ثم حاوِلوا أن لا يحدث بينكم علاقة زوجية، وربما يكون هذا التأخر ليس حملًا، ومن ثم سيكون السؤال: فما المشكلة؟ اذهبوا للطبيب:" وإن ذهبنا للطبيب: "ماذا حدث؟ وهل عند أحدكم مشكلة"وهلم جرًّا، ونصبح بلا خصوصية، وأنا أشعر أن هذا فيه اعتداء على خصوصية بيتنا، وخصوصيتي أنا شخصيًا، وما يثير استيائي أكثر أن زوجي يبرر بأن ذلك أمر عادي؛ ليطمئن أمه بهذا الرد، على اعتبار أن الحمل لا يحدث إلا مع عدم وجود الدورة، أو وجودها، ويقول: إنها أمه، وإن دورتي تخصه، ومن ثم تخصها، ويقول: إنها لا تتدخل - ليست حشرية - وأنا لا أتكلم عن شخص بعينه، فأشعر أنه يجعل الأمور شخصية، وأنا أتحدث عن مبدأ هام في حياتنا، ليس في هذا الموضع فحسب، فكافة شؤون الحياة الزوجية صندوق، لا يحق لأي شخص من أهلنا معرفة ما فيه، فهل هذا صحيح أم لا؟ وما رأيكم في ما ورد بيني وبين زوجي؟ وهل أنا مخطئة؟ أفيدوني؛ حتى أصحح خطئي؛ لأني حريصة على معرفة ديني، وأقرأ قدر المستطاع، وهذا الرأي كونته من خلال ما عرفته من ناحية الدين، أرجو منكم أن تفيدوني، ووجهوا كلمة لزوجي عن حدود تدخل الأهل في حياتنا؛ فهذا الموضوع يؤرقني كثيرًا، فزوجي لا يتحرج من حكاية أي شيء، ولكني صدمت عندما حدث هذا الموقف، ولم أكن أتخيل وأرى أن فيه خلطًا للأوراق بين بر والدينا وبين أسرار بيتنا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيحرم على الزوجين إفشاء ما يجري بين الرجل وامرأته من أمور الاستمتاع، كما بينا في الفتوى رقم: 27761.

وأما منع إفشاء جميع ما بينهما من علاقات: ففيه نظر؛ فقد قسم الفقهاء الأسرار إلى أقسام:

جاء في الموسوعة الفقهية: يتنوع السر إلى ثلاثة أنواع:

أ - ما أمر الشرع بكتمانه.

ب - ما طلب صاحبه كتمانه.

ج - ما من شأنه الكتمان، واطلع عليه بسبب الخلطة، أو المهنة.

النوع الأول: ما أمر الشرع بكتمانه: من الأمور ما يحظر الشرع إفشاءه لمصلحة دينية أو دنيوية، حسب ما يترتب على إفشائه من ضرر؛ فمما لا يجوز إفشاؤه: ما يجري بين الزوجين حال الوقاع، فإن إفشاء ما يقع بين الرجل وزوجته حال الجماع، أو ما يتصل بذلك حرام منهي عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها. والمراد من نشر السر، ذكر ما يقع بين الرجل وامرأته من أمور الوقاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة من قول، أو فعل، ونحو ذلك.

أما مجرد ذكر الوقاع - الجماع - فإذا لم يكن لحاجة، فذكره مكروه؛ لأنه ينافي المروءة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، فإن دعت إلى ذكره حاجة، وترتبت عليه فائدة فهو مباح، كما لو ادعت الزوجة على زوجها أنه عنين، أو معرض عنها، أو تدعي عليه العجز، فإن لم يكن ما ادعته صحيحًا فلا كراهة في الذكر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأفعل ذلك، أنا وهذه، ثم نغتسل. رواه مسلم. وقال لأبي طلحة: أعرستم الليلة؟ متفق عليه. والمرأة كالرجل في عدم جواز إفشاء ما يجري من الرجال حال الوقاع.

النوع الثاني: ما طلب صاحبه كتمانه: - ما استكتمك إياه الغير وائتمنك عليه، فلا يجوز بثه وإفشاؤه للغير؛ حتى أخص أصدقاء صاحب السر، فلا يكشف شيئًا منه، ولو بعد القطيعة بين من أسر ومن أسر إليه، فإن ذلك من لؤم الطبع، وخبث الباطن، وهذا إذا التزمت بالكتمان، أما إذا لم تلتزم، فلا يجب الكتمان، ويدل لذلك حديث زينب امرأة ابن مسعود، ونصه: عن زينب امرأة عبد الله قالت: كنت في المسجد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تصدقن ولو من حليكن، وكانت زينب تنفق على عبد الله، وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمر علينا بلال، فقلنا: سل النبي صلى الله عليه وسلم أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري، وقلنا: لا تخبر بنا، فدخل فسأله، فقال: من هما؟ قال: زينب، قال: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله، قال: نعم، ولها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة. متفق عليه.

قال القرطبي - فيما نقله ابن حجر في فتح الباري -: "ليس إخبار بلال باسم المرأتين بعد أن استكتمتاه بإذاعة سر، ولا كشف أمانة؛ لوجهين: (أحدهما) أنهما لم تلزماه بذلك، وإنما علم أنهما رأتا أن لا ضرورة تحوج إلى كتمانهما.

(ثانيهما) أنه أخبر بذلك جوابًا لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكون إجابته أوجب من التمسك بما أمرتاه به من الكتمان، وهذا كله بناء على أنه التزم لهما بذلك، ويحتمل أن تكونا سألتاه - أي ولم يلتزم لهما بالكتمان - ولا يجب إسعاف كل سائل. انتهى من الموسوعة الفقهية.

والظاهر أن الإخبار بتأخر الحيض، ونحوه من النوع المرخص فيه، فليس هو بأكثر من عبارة: إني لأفعل هذا أنا وهذه.

ولو فرضنا أنه من النوع الثاني، وهو لم يلتزم لك بكتمانه، فلا يلزمه، كما سبق.

وقد جاء عن الصحابة - رضي الله عنهم - ما يدل على التساهل في هذا، ففي الصحيحين عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن صفية بنت حيي قد حاضت؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعلها تحبسنا ألم تكن طافت معكن)، فقالوا: بلى، قال: (فاخرجي). مع أنه كان يمكنها أن تقول فحاضت امرأة منا، أو نحو ذلك، فكأنها لم تعتبر ذلك خصوصية ذات بال.

فالأمر سهل - إن شاء الله -، وإذا كان الزوج في الجملة يحفظ الخصوصيات، فلا تُشددي عليه في مثل ذلك؛ حتى لا يصير بينه وبين أهله جفاء، ويمكنك أن توضحي له ما قد يترتب على كلامه من الأسئلة اللاحقة، وطلب التفاصيل، وأنك لا ترغبين في ذلك، وأن الأسلم هو الإجمال، وإغلاق الباب، وفي هذا راحة بال الأم، وعدم تعلقها بكل ما يستجد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني